هكذا جعلت المقاومة الفلسطينية من رمضان موسما للعمليات والانتصارات

تستثمر المقاومة الفلسطينية أجواء رمضان الروحانية في رفع معنويات المقاومين وتكثيف عملياتهم، وهو ما تحسب الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية حسابه عند قدوم شهر رمضان من كل عام

طائرة استطلاع من صنع القسام تعرض لأول مرة
طائرة استطلاع من صنع القسام لها دور محوري في عمليات المقاومة الفلسطينية (الجزيرة)

يشير تاريخ المقاومة الفلسطينية إلى أنها تعمدت في كثير من الأحيان تنفيذ عملياتها وهجماتها القوية ضد الاحتلال الإسرائيلي في شهر رمضان، لما له من دور تعبوي وتعبدي تؤكده مواقع وغزوات شهيرة في التاريخ الإسلامي.

نستعرض في هذا التقرير بصيغة سؤال وجواب أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، ولماذا تعمدت اختيار هذا الشهر الفضيل لتنفيذ هجماتها المسلحة، وخسائر الاحتلال فيها.

  • ماذا يحمل شهر رمضان في ذاكرة الفلسطينيين من الانتصارات؟

استمدت المقاومة حالة التعبئة والتحريض على تنفيذ عملياتها في شهر رمضان من التاريخ الحافل للحروب والفتوحات التي شهدها هذا الشهر، فظهر حرص المسلمين على خوض بعض الغزوات خلاله، ومن أهمها غزوة بدر، وفتح مكة، وفتح الأندلس، ومعركة بلاط الشهداء، ومعركة عين جالوت، وحرب رمضان/أكتوبر، وكلها شكلت إلهاما للمقاومة الفلسطينية لمحاكاتها.

ومع بداية رمضان من كل عام دأبت الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة على التأكيد أنه شهر يقضي المجاهد نهاره في محرابه، وفي الليل يرابط حارسا وطنه فلسطين، وتحققت فيه انتصارات إسلامية فارقة، وسطرت فيه المقاومة أروع ملاحم البطولة والفداء.

  • هل تعتبر المقاومة شهر رمضان مناسبة لزيادة عملياتها؟

جرت العادة أن يشهد رمضان من كل عام تصاعدا في عمليات المقاومة، وتسجيل العديد منها خلاله، ودأبت أجهزة الأمن الإسرائيلية على التحذير دوما من أن رمضان شهر محفز للقتال وعمليات المقاومة.

ويحمل رمضان أجواء يزداد فيها الاستعداد للبذل والتضحية، وذلك اعتمادا على مؤثرات دينية ونفسية تنعكس تلقائيا على المقاوم، لذلك يبدو ارتفاع منسوب المقاومة للاحتلال في كل رمضان بشكل واضح، لأنها تحمل بعدا دينيا.

  • أين تتركز عمليات المقاومة في رمضان؟

دأبت أجهزة الأمن الإسرائيلية على التحذير من استغلال فصائل المقاومة قدوم شهر رمضان التي يشير سجل عملياتها إلى أنها تنوعت باستهدافها المواقع العسكرية والاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل إسرائيل.

وتبدو أجندة المقاومة حافلة بالعديد من العمليات التي شهدها شهر رمضان في السنوات الأخيرة، بين عمليات الطعن بالسكاكين، والدعس بالسيارات، وإطلاق النار، ووضع العبوات الناسفة، مما أسفر عن وقوع خسائر بشرية إسرائيلية بين الجنود والمستوطنين.

  • ماذا تحمل أجندة المقاومة من هجمات خلال رمضان؟

يصعب في هذه العجالة حصر جميع الهجمات المسلحة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال شهور رمضان في السنوات والعقود الأخيرة، لكننا نرصد أهمها وأكثرها خطورة.

  • في رمضان 2017 هاجم 3 فلسطينيين من عائلة جبارين -والثلاثة أسماؤهم محمد من مدينة أم الفحم داخل فلسطين المحتلة- قوات الأمن الإسرائيلية في المسجد الأقصى، فقتلوا اثنين منها، واستشهد الثلاثة.
  • في العام ذاته نفذ 3 فلسطينيين من رام الله وهم عادل عنكوش وأسامة عطاء وبراء صالح هجوما مزدوجا بإطلاق النار والطعن بالسكاكين في القدس ضد جنود الاحتلال أسفر عن مقتل مجندة وإصابة آخرين.
  • في 2016 نفذت المقاومة 10 عمليات فدائية تنوعت بين إطلاق النار والطعن، فقتلت 6 إسرائيليين وجرحت 15 آخرين، أخطرها حين دخل محمد وخليل مخامرة -وهما ابنا عم من بلدة يطا بالضفة الغربية- إلى مجمع "سارونا" التجاري قرب مقر وزارة الحرب بتل أبيب، وأطلقا النار على المستوطنين، فقتلا 4 وأصابا 40.
  • في 2015 وقعت عملية إطلاق نار قرب مستوطنة دوليف بمحيط رام الله على سيارة للمستوطنين من مسافة صفر، فقتل مستوطن وأصيب آخر، وفي رمضان من العام ذاته نفذ فلسطيني من الخليل عملية طعن قرب باب العامود بالقدس المحتلة استهدفت شرطيين إسرائيليين اثنين، وفي 2010 أطلق مقاومون النار على سيارة للمستوطنين بالخليل، فقتل 4 منهم.
  • في 2004 خاضت المقاومة معركة "أيام الغضب" شمال غزة استمرت 17 يوما، ونفذت خلالها عددا كبيرا من الاشتباكات واقتحام المستوطنات والكمائن والصواريخ، وأجبرت الاحتلال على الانسحاب دون تحقيق أهدافه، وفي رمضان من العام ذاته نفذ الاستشهاديان عبد العزيز الجزار وعبد الستار الجعفري عملية نوعية عند معبر صوفا جنوب غزة أصابت 6 من جنود الاحتلال بجراح متفاوتة.
  • في 2002 نفذ المقاومون أكرم الهنيني وولاء سرور وذياب المحتسب عملية ضد مستوطني "كريات أربع" قرب الخليل، فقتلوا 12 جنديا ومستوطنا، وأصابوا 18 آخرين، إصابة 4 منهم خطيرة، وفي العام ذاته فجر الاستشهادي سامي أبو هليل من الخليل حزامه الناسف في شارع مكسيكو بالقدس، فقتل 12 إسرائيليا وجرح 47 آخرين.
  • جاء رمضان 2001 مزدحما بعمليات المقاومة، فنفذ الاستشهادي ماهر حبيشة من نابلس عملية تفجيرية في إحدى حافلات حيفا، فقتل 16 إسرائيليا وجرح 55 آخرين، وحين أحضر له رفاقه طعام الإفطار رفض، قائلا "إنني سأفطر هذه الليلة في الجنة".
  • وفي رمضان 2001 أيضا نفذ الاستشهاديان أسامة بحر ونبيل حلبية عمليتهما المزدوجة ضد موقع للجيش الإسرائيلي بالقدس، فقُتل 11 إسرائيليا وجرح 190 آخرون، كما اقتحم المقاومان جهاد المصري ومسلمة الأعرج مستوطنة "إيلي سيناي" شمال غزة، فقتلا عالما نوويا إسرائيليا، وجرحا 5 آخرين.
  • في 1993 نصبت مجموعة الشهيد عماد عقل ورفيقاه الأسيران المحرران محمد دخان ورائد الحلاق كمينا لدوريتين إسرائيليتين قرب مقبرة الشهداء شرق جباليا، فقتلوا 3 جنود وأصابوا 4 آخرين.

  • إلى أي مدى شكلت حرب غزة 2014 نموذجا على المقاومة في رمضان؟

في 2014 ردت المقاومة على عدوان "الجرف الصامد" الإسرائيلي بمعركة "العصف المأكول" التي كشفت عن العديد من المفاجآت، ونفذت عمليات خلف الخطوط، وأسرت عددا من جنود الاحتلال أسفرت جميعها عن مقتل 70 جنديا ومستوطنا، وإصابة 2500 آخرين بجروح، وأطلقت صواريخها نحو مدن حيفا والقدس وتل أبيب، وسمتها عملية "العاشر من رمضان" إهداء لأرواح شهداء الجيش المصري في معركة أكتوبر/تشرين الأول 1973.

وخاضت المقاومة الفلسطينية في رمضان 2014 الحرب الأطول مع قوات الاحتلال الإسرائيلية التي استمرت أكثر من 50 يوما، تخللتها عدة عمليات عسكرية نوعية، مثل عملية ناحال عوز، وعملية العاشر من رمضان، واقتحام قاعدة زيكيم البحرية.

وسجلت الحرب الإسرائيلية على غزة في رمضان 2014 أبرز بطولات المقاومة في تاريخ فلسطين والصراع مع الاحتلال، فقد كان المقاومون تحت ظروف نفسية معقدة وهم صائمون تحت الأرض، يعيشون على بقايا الطعام والماء، ولديهم رباطة جأش وجلد مرتفع.

وبعد أن قضى عشرات المقاومين 21 يوما بلا أي اتصال أو إمداد داخل أحد الأنفاق وقد حوصروا داخله عثروا على نبع ماء داخل النفق رووا منه عطشهم بعد الصيام، وتعودوا أن يتسحروا ويفطروا على تمرتين فقط طوال هذه المدة.

  • كيف يستعد الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة المقاومة في رمضان؟

فور اقتراب الشهر الفضيل من كل عام تبدأ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وجيش الاحتلال بتشديد إجراءاتها القائمة من أجل كبح جماح المقاومة عن تنفيذ عملياتها بتصعيد الاعتقالات ونشر المزيد من قواتها على المعابر والطرق المحورية، لكن النتيجة أن المقاومة تحافظ على وتيرتها في رمضان، بل تزيدها.

وتعتبر قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية قدوم رمضان من كل عام موسما لزيادة تحريض المقاومة على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد الإسرائيليين، باعتباره شهر الجهاد والانتصارات في تاريخ الإسلام، وتبدو فيه التضحية بالنفس أكثر جاهزية، مما يثير مزيدا من المخاوف الأمنية الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة