النقابات الاردنية متهمة بتغليب السياسي عل المهني

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الاربعاء: تذهب الحكومات الأردنية المتعاقبة دوما إلى مهاجمة النقابات المهنية إلى الحد الذي وصفت فيه أخيرا بأنها محاكم تفتيش سياسية على اعتبار، أن النقابات تنحى منحى سياسيا لا يتفق بصورة كاملة ومستمرة وتوجهات الدولة الأردنية، خصوصا فيما يتعلق بالملفات الساخنة منها كمعاهدة السلام بين الأردن واسرائيل «وادي عربة»، والطريقة غير المرضية التي تتناول فيها السياسة الأردنية لعدد من الملفات كالحريات العامة وملف الانتخابات البرلمانية داخليا والقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل خارجيا. ولم تختلف نظرة حكومة المهندس علي أبو الراغب عما سبقتها من حكومات إلى النقابات، بل يمكن القول انه كان الاشد صرامة في ذلك إلى الحد الذي اتهمها بأنها اعطت لنفسها الحق باصدار صكوك غفران لمن يتراجع من الأردنيين عن التعامل مع إسرائيل. وتتمحور وجهة نظر الحكومة الأردنية على حد ما أشار إليه المهندس علي أبو الراغب رئيس الحكومة خلال لقائه مع نقيب المهندسين عندما قال له انت تمثلني مهنيا بحسب القانون، ولكن لا تمثلني سياسيا. ويؤكد مراقبون أن ما يحول دون اتخاذ الحكومة أي إجراءات تصعيدية بحق النقابات المهنية، طبيعة عمل النقابات نفسها على الصعيد المهني، حيث تقف العديد من العوائق أمام اتخاذ الحكومة الأردنية ـ أي حكومة ـ لموقف متشدد ضد جسم النقابات المهنية. ومن ابرز هذه العوائق كون النقابات المهنية تحمل على عاتقها مهمة ووزر تنظيم ومأسسة مهن 100 ألف مهني باحتساب عائلاتهم واسرهم يتجاوز العدد النصف مليون أردني من حيث الضمان الاجتماعي والتقاعد والتأمين الصحي وتنظيم عمل المهنة ذاتها ومن مسموح له أن يعمل بها ومن ممنوع من العمل بها وغيرها من الإجراءات التي استطاعت النقابات وعلى مدار نصف قرن ازاحة همها عن الحكومة بشكل كامل، بل وبالغت في تنظيم المهن إلى درجة كبيرة اصبحت تعد فيها من اغنى مؤسسات المجتمع المدني نظرا لما تحتويه صناديق ادخارها من اموال طائلة تضع الحكومة في هذه الفترة عينها عليها، تأسيسا على امكانية استثمار هذه الأموال في مشاريع مجدية.وإذا كانت النقابات تدرك أهمية وجودها وثقلها في الساحة الأردنية فانها تدرك أيضا خطورة أن تقوم بإجراءات «حشر الحكومة في الزاوية» فذلك يجبر الدولة على عمل ما لا تريده من حيث «تأديب النقابات» باضعافها، بصورة من الصور. وليس من الصعب نظريا على الحكومة اتخاذ سلسلة من الإجراءات من شأنها اضعاف النقابات المهنية كالغاء الزامية العضوية مثلا، ولكن هذا الإجراء في المقابل سيجبر الحكومة على تحمل تبعاته وشروطه وهذا ما لم ترغب به أي من الحكومات الأردنية حتى الآن. - فهل يمكن أن تقوم الحكومة الأردنية باجراء عملية لقطع «غرغرينا» النقابات؟ ولماذا لا تقوم النقابات بما تريده الحكومة... ما الداعي إلى ممارستها نهجا سياسيا ترفضه الحكومة «بتلك الصورة»؟ هل صحيح بان النقابات وفق ممارساتها السياسية تعمل على اعاقة التنمية السياسية في البلاد؟ وهل اثرت المسيرة «السياسية» للنقابات المهنية على المسيرة «المهنية»؟ ام أن السياسي إنما هو مهني والمهني لا يمكن فصله عن السياسي؟ وهل يمكن القول أن قصور تحرك الأحزاب السياسية أدى إلى تكثيف النقابات لنهجها السياسي؟ ثم لماذا اعتاد الشارع الأردني على أن يكون خيار النقابات المهنية تاريخيا هو خيار المعارضة؟ كل هذه الاستفسارات عرضناها على نقابيين واصحاب رأي وحزبيين في الساحة الأردنية في محاولة لقراءة امرين الأول هل يحق للنقابات العمل في السياسة.. أما الأمر الثاني هل تقوم هذه النقابات بالفعل بما يخدم مهنها كما يجب؟ وبين هذا وذاك سلة من الاستفسارات حاولنا استعراضها مع كل من الناشط النقابي الدكتور هشام بستاني، والكاتب والصحفي الأردني موفق محادين. وإلى نص الندوة: ـ تصاعدت نبرة الخطاب الرسمي وشبه الرسمي ضد النقابات إلى الحد الذي وصفت بـ «محاكم التفتيش» برأيك ما هي مبررات دعوة العديد من الشخصيات الرسمية والوطنية الأردنية إلى ضرورة أن تتجه النقابات في عملها نحو المهنة وتبتعد عن العمل السياسي.. ؟ ـ د. هشام بستاني: لا يوجد اطار او مؤسسة ذات بعد جماهيري اجتماعي قادر على الحركة والتأثير في الشارع الاردني سوى النقابات المهنية. فهي تمتلك قاعدة عضوية كبيرة جدا تزيد على 100.000 عضو، وتمتلك قدرات مالية كبيرة تتركز بشكل خاص في صناديق التقاعد الخاصة بها، وعليه فهي مركز قوة شعبي واقتصادي لا يمكن اغفاله، وهذا بالضبط ما يزعج السلطة السياسية والاحزاب التي تدور في فلكها. واذا اضفنا الى ذلك الطابع الوطني للنقابات المهنية، ونضالها من اجل القضايا الوطنية الاساسية «مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وحماية الاردن من التغلغل الصهيوني، ورفض معاهدات السلام الزائف مع العدو الصهيوني، والدفاع عن حقوق المواطنين وكرامة عيشهم، والدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية، والدفاع عن العراق ونصرة الانتفاضة»، وهي جميعا ملفات محرجة ومزعجة للسلطة السياسية، واضفنا الآلية الديمقراطية الحقيقية والمؤسسية التي تعمل من خلالها النقابات مما يجعلها تشكل صورة معكوسة لما هي عليه حال الحكومة وآليات حراكها. والحرج الذي يسبب ذلك لها خصوصا على الصعيد المحلي، واضفنا عدم قدرة السلطة السياسية على التدخل والتأثير في الجسم النقابي كما استطاعت ان تفعل في الاطر الاخرى، نظرا لاستقلالية النقابات بقوة القانون، واستقلالية اعضائها من المهنيين بحكم اعمالهم الحرة في الغالب.. نستطيع من كل ذلك ان نستنتج لماذا تقوم السلطة السياسية والاحزاب الدائرة في فلكها بالتحريض ضد النقابات المهنية ودورها المهني الوطني. ـ موفق محادين: على حد ما ارى فإن هناك خلطا بين العمل الوطني والعمل السياسي، علما بان هذا الخلط لا يعكس موقفا سياسيا معاديا وحسب، بل وجهلا وفقرا نظريا فادحا، في السياسة ومفهومها.. وهو أمر مزر بالنسبة لعاملين في دولة مضى على تأسيسها قرن إلا قليلا، فالسياسة علم ادارة الصراع والعلاقات ضمن موازين القوى والحقوق والواجبات المتعارف عليها في القانون الدولي. وما يجري في الواقع هو اشهار ايديولوجية من الدرجة العاشرة في صياغة الخطاب الرسمي في هذا الميدان. ولم يعد مستهجنا والحالة هذه ان يظهر لنا البعض كل هذا الحرص على العمل الحزبي في تكتيك ساذج الفعل ضد قوى المجتمع المدني خصوصا وان الطبقات لا تعبر عن مصالحها وخاصة الاجتماعية المباشرة عبر الاحزاب وحسب. وهذه من جهة اما الجهة الاخرى فإن الاحزاب في العالم المعاصر تعبر في الغالب عن القوتين المتصارعتين أو الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين والبرجوازية. ان الطبقة الوسطى التي تشكل قوام النقابات المهنية لا تشكل نظريا القاعدة الاجتماعية لأي حزب بالمفهوم المعاصر، وتتراوح مصالحها بين النظام السائد وبين النقابات المهنية اما الجانب الآخر من الفقر النظري والمعرفي في الخطاب الحكومي هو عدم التمييز بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي والفصل الحاد بين قوى المجتمع المدني نفسها. فالمجتمع المدني في العرف الدارج كما تعكسه المواثيق الدولية الأساسية التي وقعت عليها الاردن «الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين» هو الاطار غير الرسمي للقوى الاجتماعية والسياسية الواسعة، وخاصة الاحزاب والنقابات، وعندما تتفاهم الاحزاب والنقابات على لجنة تنسيق مثلا، فذلك أمر مفهوم وعادي وضروري، ويتضمن الاجندة الوطنية العامة للقوى غير الرسمية ومصالحها ورؤيتها المختلفة. فالنقابات كما الاحزاب بوصفها جزءاً من المجتمع المدني، معنية بالقضايا المطروحة دوما على جدول اعمال هذه المجتمع. والنقابات في العرف الدولي هيئات مركبة بما هي هيئة اجتماعية عامة ربما هي مجموعة مصلحة للدفاع عن اعضائها. من الغريب حقا ان تقوم الحكومة بتحطيم الطبقة الوسطى عبر سياسات الخصخصة والتصحيح الاقتصادي، ثم لا تسمح لاعضاء هذه الطبقة بالدفاع عن مصالحهم وخبزهم وكرامتهم، ان الحكومة وليس النقابات المهنية هي التي تمارس سياسة التجويع والافقار وتوسيع البطالة. إن من حق النقابات المهنية ان تتصدى لهذه المهمة، وان توسع اهتمامها بها وتضعها في مقدمة جدول اعمالها، وبالمحصلة فإن ما يجري في الواقع ضد النقابات هو حملة لتصفية المجتمع المدني وتحويلها الى اشلاء نقابية متناثرة. ـ هل هناك خشية أن يتم اضعاف النقابات عبر سلسلة من الإجراءات أو القوانين؟ ـ بستاني: رغم أن هناك غياب البرلمان وعدم التزام الحكومة بالدستور واصدارها لما يزيد على 100 قانون مؤقت وانزعاجها المستمر من اي صوت «ناهيك عن قوة» معارض حقيقي في الشارع الاردني «قضية توجان فيصل ما زالت دافئة» إلا أن ذلك لا يعني أن الأمر بهذه السهولة «نظريا على الاقل». فان اصدار قانون مؤقت للنقابات المهنية يعني ادخال النقابات الى بيت الطاعة الحكومي او حل مجالس النقابات المنتخبة وتعيين هيئات متناغمة مع الحكومة لادارة النقابات والتخلص من همها امر يعني إضرار قطاعات كبيرة جدا من المجتمع الاردني الى درجة لن تستطيع السلطة السياسية احتواء عواقبها سواء على الصعيد الوطني او المهني او الاداري وتعني أيضا ضرب آخر معقل مدني سيحول اختفائه الاردن الى ساحة فارغة من القوى لمصلحة لاعب وحيد هو السلطة التنفيذية اي سيحتم التحول الى مفهوم «الدولة التوتاليتارية». ثم انه سيؤدي إلى انهيار صناديق التقاعد وصناديق التأمين المهني وصناديق التكامل وبرامج القروض والاسكان، وبالتالي انهيار القطاعات الواسعة المستفيدة منها. واذا اخذنا بعين الاعتبار عائلات النقابيين يصبح الحديث هنا عن حوالي نصف مليون مواطن وانهيار الاستثمارات النقابية وانعكاس كل ما سبق ذكره على الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية الاقتصادية للاردن. كل هذا لن يؤدي فقط الى استعداء الشريحة المثقفة والمتعلمة والاضرار بمستوى المهن والمهنيين، بل سيؤدي ايضا الى خلق ازمات اقتصادية اجتماعية داخلية ليس لها نهاية. ـ محادين: اضافة الى ما ذكره زميلي فإن هذا السؤال يذكرني بما كرره أحدهم في ندوة تلفزيونية كرسها لمناقشة موضوع الزامية العضوية في النقابات المهنية، وكان هذا «الصحفي الزميل» قد سجل الخطاب ذاته الذي سجلته احدى الندوات التي خصصها المركز المنظم لها للحديث عن عضوية النقابات ومدى مطابقة بد الالزامية فيها لحقوق الانسان علما بشهرة هذا المركز بانه ممول من الخارج. وبما ان هذا الصحفي ديمقراطي جدا مثل ديمقراطية مراكز التمويل الاجنبي المشبوهة فقد استند إلى المادة 20 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تحظر على أي مؤسسة الزام أحد بالانتساب الى الجمعيات والاتحادات، كما تفعل النقابات المهنية للمشتغلين بالمهن ذات العلاقة سواء طب او هندسة او محاماة او غير ذلك. وكان حاله مثل حال المجتهد الذائع الصيت والذي أخذ من الآية الكريمة نصفها او ربعها «ولا تقربوا الصلاة...» وليس لدي أي مانع شخصي من الالتزام بهذه المادة إذا ما قرأنا الآية كلها، وأقصد هنا المواد الثلاثين للاعلان العالمي لحقوق الانسان وليس مادة أو نصف مادة في الواقع. فالحظر المذكور من حيث حقوق الانسان جاء في البند «ب» من المادة 20. وما تم فعله هنا من حيث الاعتماد على هذه المادة ان شطبت ثلاثين مادة مقابل نصف مادة وهذا أمر غير منصف ولا داعي للقول ان المواد الثلاثين المذكورة في الاعلان تؤكد على حق التعبير والانتخابات النزيهة والحياة الكريمة والمساواة القانونية والاجتماعية والسياسية وتمنع التدخل الحكومي والاستجواب والتحقيق والتهديد والابتزاز والتجويع والتظليل.. الخ.. وهي تسمح ايضا بحياة حزبية نظيفة، وبانتخابات حرة وديمقراطية.. لا «تطفش» فيها الناس من البرلمان..، وتساعد في هذه الحالة على استئذان النقابات بتقليل اهتماماتها الوطنية. ـ صالح العرموطي: الحكومة ذاتها متفهمة لدور النقابات وفي كل اللقاءات التي تجري بيننا وبين رئيس الوزراء نسمع هذا المضمون، وان النقابات المهنية بيوت خبرة وبالتالي لا خوف على النقابات من الحكومة، ولا اعتقد أن الحكومة ستقوم بأي اجراء ضد النقابات خصوصا وكما قيل أن النقابات المهنية ممثلة لـ 100 ألف مواطن. ـ نحن لا نعني الحكومة الحالية فقط، فمن حيث الجانب النظري ما هي الإجراءات التي يمكن للحكومة أن تتخذها من اجل اضعاف النقابات المهنية؟ ـ العرموطي: النقابات موحدة في هيئاتها العامة فالدور الذي تقوم به مرضي عنه من قبل الجسم النقابي باكمله، وتوحد الشارع النقابي دليل على قوتها، وما تلجأ إليه الحكومة بين الفترة والاخرى التلويح بعدم الالزامية ولكن هذا لا يضعف الحكومة، وهذا لا يخيفنا أيضا، سواء في هذه الحكومة أو في حكومات سابقة، فالاشخاص غير المنتمين إلى النقابات المهنية يطلبون أن يكونوا أعضاء في هذه النقابات والدليل على ذلك أن عدداً كبيراً من المحامين والعاملين كموظفين في مؤسسات الدولة تقدموا لرئيس الوزراء طالبين العضوية في نقابة المحامين، وذلك رغبة منهم للحصول على حقوق العضوية. ومن هنا فإن الحكومة لن تلجأ نهائيا لهذا الأمر، وانا اعتقد أن مجرد تفكيرها بتقنين قوانين النقابات المهنية فسيكون امرا غير راشد. ـ مهندس حتر ماذا تقدم النقابات المهنية للمواطن والمهنة؟ ـ علي حتر: استطاعت النقابات المهنية ومنذ نشأتها أن تسجل نجاحات جبارة في حل كل القضايا المتعلقة بالمهن التي أنشئت من أجلها. ولم تتخلف النقابات المهنية يوما عن أداء دورها في مجال المهنة، ومن هنا يأتي اس قولنا في أنه لو تمكنت الحكومة من إلغاء إلزامية العضوية في النقابات، لعمت الفوضى انحاء الوطن، فكيف يمكن معالجة قضايا الاطباء القادمين من بلاد الدنيا مجهولي الشهادة من التصريح لهم بالعمل في المهنة أو منعهم من ذلك. وفي اية حال فإن قصة الأكاديمية الأميركية التي عرقلتها نقابة الأطباء معروفة للنقابيين، وهي شاهد على تمكن نقابة الاطباء من السيطرة على المهنة في الوطن. إضافة إلى ذلك فإن هذا الالغاء يدفع بأي متعهد من المتعهدين إلى إنشاء المباني دون رقابة نقابة المهندسين، ليبدأ مسلسل سقوط الأبنية على رؤوس ساكنيها كما يحصل في بعض الدول العربية.. ومن المؤكد ان أيا من الحكومات الغارقة في المحسوبيات والروتين والبيروقراطية، لن تكون قادرة على اداء الدور الذي تقوم به النقابات. واحب أن اشير إلى أن النقابات المهنية تضم أربع عشرة نقابة منها سبع نقابات مقيمة في المجمع والباقي خارجه أما النقابات المقيمة في المجمع والتي تعتبر مصدر الخلاف مع الحكومة فهي نقابات: الاطباء، والمهندسين، والمحامين، واطباء الاسنان، والصيادلة، والمهندسين الزراعيين. فنقابة المهندسين على سبيل المثال تعمل على تنظيم أمور العمل الهندسي وفروعه وتخصصاته ومتطلبات التصميم الهندسي والترخيص والتدقيق الفني وحل المشاكل بين المواطن والمكاتب الهندسية.. واقامة الندوات والدورات العلمية وفرضت برنامج للتدريب الهندسي ودافعت عن حقوق المهندسين وقامت بحماية ودعم مجموعة كبيرة من المشاريع السكنية.. فيما تقوم نقابة المحامين على تنظيم المهنة التي تلعب دورا أساسيا في الحياة الأردنية وتفاصيلها، وأمور ممارستها وبرامج تدريب المحامين، ومجالات الممارسة، وتوفر مكتبة للتشريعات والقوانين، بل انني ازعم أن مجلة نقابة المحامين التي تقدم للمحامي والمواطن وحدها كفيلة لاقناع الحكومة بعدم جدوى الاطاحة بنقابة المحامين فهذه المجلة تعمل في العادة على تحديد أسس التعامل مع المحاكم والتشريعات، وتحدد الرسوم، وتدافع عن حقوق المحامي والمواطن في كل المجالات. وانظر كما اشرت سابقا إلى نقابة الأطباء، التي تقوم على تنظيم الامتحانات التي تضمن حماية المواطن من أي طبيب مزيف أو ضعيف، وتنظم مهنة الطب والتخصصات، والعلاقة مع المستشفيات والرسوم، بالاضافة الى ما ذكر بالنسبة للنقابات الاخرى.. ـ عمليا ـ وباكثر تفصيل ـ ماذا تفعل النقابات للمهنيين؟ ـ حتر: خذ مثلا: تنظيم طرق ممارسة المهنة.. وآليتها.. وأسعارها بحيث لا يستغل المواطن ولا يظلم النقابي.. التأكد من صحة شهادة المهني ومن أهلية الجامعة التي تخرج منها وكشف أي تزوير في الشهادات.. تحديد مستوى الاداء المطلوب توفيره للمستفيدين منها من المواطنين، تنظيم العلاقة بين مختلف الأطراف المستفيدة من هذه المهنة، وحل المشاكل والخلافات التي تنتج من خلال الممارسة، البحث في وسائل لتطوير المهنة وتوفير متطلباتها، مثل التدريب والنشرات والدورات لرفع المستوى والتأهيل والمكتبة والمؤتمرات العلمية وغير ذلك.. لرفع مستوى ادائها، الدفاع عن حقوق المهنيين ومساعدتهم في توفير سبل العيش الكريم لهم خلال ممارسة المهنة وعند تقاعدهم، معاقبة المخالفين منهم ومكافأة المبدعين في عملهم، مساعدة المهنيين في مسائل السكن والتأمين الصحي والتقاعد، توفير مجموعة من النشاطات غير المهنية الموازية للعمل والتي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونها، مثل النشاطات الاجتماعية والترفيهية والرياضية. وكل هذا جزء مما تفعله نقاباتنا منذ أكثر من خمسين عاما. ـ كانت هناك حاجة ماسة في الفترة العرفية لاتجاه النقابات إلى العمل السياسي ولكن بعد انطلاقة النهج الديمقراطي واقرار قانون الأحزاب السياسية ما الداعي إلى استمرار النقابات وفق ذات النهج السابق من العمل السياسي، علما بان الحكومة تتهم النقابات باعاقة التنمية السياسية في البلاد؟ ـ بستاني: إن الاعذار التي تسوقها السلطة السياسية في مواجهة النقابات لا تقنع احدا فهي تقول ان النقابات المهنية تأخذ دورا سياسيا، تعيق او تمنع «التنمية السياسية» المتمثلة في نمو «الاحزاب» وهو عند مردود جملة وتفصيلا لان ما يمنع التنمية السياسية ببساطة هو الاجراءات والقوانين القمعية، والجو العرفي الذي آلت اليه الامور في الاردن مؤخرا، فقانون الاحزاب مثلا يضع من القيود والمحددات على الاحزاب ما يجعلها بالضرورة ضعيفة وتابعة وغير قادرة على التأثير بل وصل الامر في بعض المراقبين ان يعملوا هذا القانون «قانون منع الاحزاب». على صعيد آخر وحتى هذه اللحظة لا يوجد برلمان في الاردن منذ ان حل البرلمان السابق في منتصف العام الماضي، وهناك فراغ تشريعي كبير يقابله تغول حكومي كبير في اصدار قوانين مؤقتة يجمع اغلب الحقوقيين على انه غير دستورية لانعدام صفة الضرورة والاستعجال عنها. اذا ما نحن في وضع لا يوجد به برلمان، ولا يعلم احد متى ستعقد الانتخابات «ان كانت ستعقد اصلا» والحكومة اصدرت ما يزيد على «100» قانون مؤقت بعضها تقيد بشكل كامل حرية الرأي والتعبير والاجتماع بشكل غير دستوري ثم بعد كل ذلك يتم الحديث عن «تنمية سياسية»!! ان تناول موضوع التنمية السياسية هو بالضرورة تناول للأساسيات والقواعد التي تقوم عليها هذه التنمية. وبدون احداث تغيير جذري للأساسيات المهترئة «قانون الاحزاب، قانون الانتخابات، قانون الاجتماعات العامة ومجمع القوانين القمعية الاخرى»، وتفعيل جيد منها «الدستور، البرلمان»، يكون الحديث عن تنمية سياسية هو محض تنمية «سرابية» وقتالا عبثيا ضد طواحين الهواء. المسألة الثانية التي تطرحها السلطة السياسية في مواجهة النقابات المهنية هي انها تغلب الجانب السياسي على الجانب المهني، وبالتالي فهي «مقصرة» في هذا الجانب وعليها ان تعتني به بدلا من الانشغال بالمناكفات السياسية. ـ محادين: يقول البعض للنقابي انه اذا ما كان يحب السياسة حبا جما فما عليه الا ان يبحث عن سوق آخر، هو سوق الاحزاب حيث يجد كل ما لذ وطاب من التصريحات والبيانات السياسية وينسى اصحابنا هؤلاء اكثر من مسألة: ان الاحزاب ليست ممثلا شرعيا وحيدا للطبقات والمصالح الاجتماعية. انهم يتدخلون بصورة سافرة في اتحاد العمال مثلا ويمنعون منعا باتا تأسيس اتحاد للعمال الزراعيين ويجبرون هؤلاء العمال على منح الثقة لارباب العمل في هذا القطاع عبر اتحاد المزارعين، كما يمنعون تحت طائلة المسئولية والاعتقال والفصل التعسفي تأسيس اتحاد للمعلمين وللطلبة. من حيث نموذجهم العالمي فان البلدان الرأسمالية وخاصة الولايات المتحدة الصديق الصدوق لهم هي صاحبة أهم تجربة نقابية في العالم من حيث الاهتمام اليومي في القضايا العامة وذلك كله بوجود عشرات الاحزاب الكبيرة والصغيرة.. ورغم ان النقابات الاميركية وحتى الخمسينيات كانت تحتفظ بعلاقات سرية مع مافيات الجريمة، الا انني اود الاشارة هنا الى التجربة البريطانية التي تتحكم النقابات فيها بتفاصيل التفاصيل في الحياة والقضايا العامة. ولا بأس ايضا من تذكر كتاب الحكومة بان النقابات الاميركية هي التي أدارت معركة سياتل ضد العولمة وليس الحزب الديمقراطي مثلا. فيما لم أسمع شخصيا ان الحكومة ادانت مظاهرات سياتل وطلبت من ادارة الرئيس كلنتون التصدي لهؤلاء الغوغائيين والضرب بيد من حديد او التهديد بحل النقابات والحاقهم بوزارة العمل والمهاجرين. لا نسمع من يقول لا ـ العرموطي: اليس من مهمتي كنقيب للمحامين أن اقول انه لم يصدر عن مجلس الأمن أي قرارات لاضفاء الشرعية على ما يصدر من قتل وابادة وحصار ليس على العراق فقط، فعندما يحاصر العراق يحاصر ميناء العقبة فكل سفينة تمر على الميناء تخضع للتفتيش، وكل ذلك بسبب الحصار على العراق. اليس من حقي أن ارفع الصوت عاليا لاقول لا للحصار على العراق اليس من حقي أن استهجن موت العراقيين دون أن يحرك ذلك عطف وموالاة الشعوب العربية قاطبة. فإذا كنا نحن الذين في الطليعة مطلوب منا أن نسكت أمام كل هذه الجرائم من سيحرك الشارع من سيشكل رأيا عاما ضد كل ما يجري من ابادة وجرائم حرب.. يأتي لنا طيار من ايطاليا ليكسر الحصار على العراق ونحن نتفرج عليه اهذا هو المطلوب منا أن نفعله في أي شريعة يقال أن الاعتراض على كل ذلك ليس من عمل النقابات المهنية والسياسيين خارج نطاق السلطة التنفيذية.. والمفارقة هنا أن الدستور الأردني يتحدث عن أن الأردن جزء من امته العربية، أي أن اعيش هموم الأمة العربية كما اعيش افراحها، واطالب بان يعاملوني كعربي مثلهم. إلا إذا كان المطلوب أن نغير هذا النص. بالله عليك كيف يمكن أن ابقى صامتا أو بصورة ادق أن اوافق على مطلب بقائي صامتا أمام وحشية المجرم شارون، وذاك المخبول عقليا وذنبه اللذين يهددان العراق كل يوم. بأي مواثيق وأي قوانين دولية يوجد نص يمنع النقابات المهنية أن تتبنى رفض هذه التهديدات وذاك الاجرام الذي يكيله اليهود للشعب الفلسطيني دون أن يحرك أحد ساكنا. والمشكلة لو اننا نرى أحداً من المسئولين يتبنى موقفا عمليا يمنع حرب الابادة الجماعية التي يقودها اليهود ضد اهلنا في فلسطين واجراءات حقيقية للتصدي للتهديدات الأميركية البريطانية ضد العراق لخفف ذلك علينا العبء لكن للاسف لم نسمع صوتاً يقول: لا. ويكتفون بالقول لا وجود لقواعد عسكرية على ارضنا، وقبل أن يجف حبر تصريحهم خرجوا علينا مرة أخرى ليقولوا أن هناك مناورات عسكرية أردنية أميركية، خسئ الجيش الأميركي فجنودنا اشرف واقوى من هؤلاء المخنثين المعتمدين على قوتهم المادية.. انهم ينجسون جيشنا عندما يقومون بمناورات معه.. ثم لماذا هذه المناورات. ثم هل من الممكن أن نسكت أمام التهديدات الشارونية المجرمة أن السور الامني للكيان الصهيوني هو غور الأردن.. ماذا عملت الحكومة في هذا الشأن.. يهدد الأردن وجودا وكيانا وسيادة ثم نقول لا تتدخلوا فيما لا يعنيكم.. هذا الأمر يعنينا في الصميم.. انظر إلى النشيد الوطني للشبيبة الصهيونية «الشرقية لنا والغربية لنا».. عندما التقى كلينتون مع الرئيس عرفات قال له إذا لم توافق على الشروط فنحن قادرون على فعل كل شيء في سبيل تحقيق اهدافنا. إن النقابات المهنية مستهدفة.. يشرف النقابات المهنية أن تخرج علينا صحيفة «معاريف» الصهيونية لتقول أن اكثر الجهات العربية كرها وعداء للصهيونية النقابات المهنية في الأردن يكفي النقابات المهنية الأردنية فخرا أن تستغيث النقابات المهنية الصهيونية بنقابة المحامين الأميركيين ليقول لهم ان نقابتنا تمتنع عن المرافعة في قضايا لليهود فماذا فعل هذا ارسل لي رسالة تقول: نحن نفرض وصايتنا في تطبيق القانون في العالم العربي انظر هذه الوقاحة فارسلت له رسالة تقول له انتم تنتهكون حقوق الإنسان والعنصرية والظلم والبغي في جميع انحاء العالم كل هذا ويخرج علينا وزير خارجية إحدى الدول العربية ليقول لنا ثقة مطلقة بسياسة بوش وقبل انتهاء أربعة وعشرين ساعة من هذا التصريح يخرج البنتاغون ليكشف عن أنه اوصى بتزويد الكيان الصهيوني بقنابل متطورة وعدد من الاسلحة هذه هي ثقتهم هم لم يكونوا مع نبض الشارع كيف يمكن بالله عليك أن تقف النقابات المهنية دون أن تقول رأيها على الأقل.. ـ استاذ حتر لماذا تصر النقابات على العمل السياسي؟ ـ حتر: حتى لا يعتقد بان النقابات المهنية تحمل السيف ليل نهار لسياسات الحكومة غير المرضي عنها أود الاشارة إلى أن نقابة المهندسين التي أنا عضو فيها تعقد اكثر من مئة وعشرة اجتماعات للجانها في الأسبوع، منها اجتماعان فقط سياسيان فقط، فأي نسبة هذه التي نتحدث عنها واؤكد أن الحكومة مدركة لهذا الأمر، وتعلم عدم قدرتها على محاكاته.. نحن لدينا متطوعين ومهنيين يعملون لصالح النقابات دون اجر فقط لمجرد بقائها واقفة اين يمكن أن تجد الحكومة ذلك.. ـ المتطوعين انفسهم؟ ـ حتر: لا أبدا النقابي لا يعمل متطوعا إلا لانه يشعر بان النقابات تمثله وتمثل طموحاته وآماله وانه يستطيع التغيير فيها وبآرائها.. فهل هذا متاح بالنسبة للحكومة. إن الناس تحتاج إلى من يعبر عن مواقفها.. دون خوف ودون حساب للأرباح والخسائر والنقابات بهذا المنظار اصبحت منبرا بديلا للمنابر التي أغلقتها الحكومة.. لهذا فإن النقابيين يعملون جاهدين من اجل استمرارية قوتها.. هذا جانب مهم يجب أن نأخذه بعين الاعتبار.. لا داعي للمزايدات أو لقول المجاملة.. هل رأيت احدا من موظفي الحكومة يعمل بالمجان.. تطوع مثلا.. النقابيون يفعلونها دوما.. هذا سؤال ليس من المفروض أن يتم طرحه على النقابيين الذين يقومون بالعمل تطوعا في النقابات بينما لا يفعلونها عند الحكومة بل يجب طرحه على الحكومة ذاتها فهي لماذا لا يتفاعل موظفوك معك بهذه الطريقة.. لو فرضنا أن هناك رضى شعبيا كاملا عن أداء الحكومة.. فانك سترى آلاف المتطوعين. ـ هل تعتقد أن توجه النقابات المهنية السياسي اثر على عملها المهني؟ ـ بستاني: اذا اردنا ان نحيد جانبا جدليا السياسي المهني وهو امر يمكن التفصيل فيه فاننا نرى ان اغلب نشاطات النقابات المهنية هي في الحقل المهني، وتشكل هذه النشاطات ما يزيد على 80% من جملة نشاطات النقابات. فعقد النقابات المؤتمرات العلمية الخاصة بها هو بشكل دوري كل سنة او سنتين «حسب النقابة» اضافة الى الايام والندوات والمحاضرات العلمية، والتدريب المستمر والرقابة على الاداء المهني وضبط امور المهنة ـ وكمثال بسيط يوجد في نقابة اطباء الاسنان 30 لجنة داخلية لمساندة مجلس النقابة على تنفيذ مهامه ومنها اثنتان فقط تعنى بالعمل الوطني «اي ما نسبته 67%»، وهو ما يثبت بشكل قاطع الاهتمام المهني للنقابات. أما الحجة التي تسوقها السلطة السياسية حول ضرورة الاهتمام بالجانب المهني هي حجة مغرضة لان السيفين الذين تسلطهما الحكومة على النقابات المهنية باستمرار من منطلق التهديد هما «الغاء الزامية العضوية في النقابات كما تحدث زميلي، او حل النقابات المهنية الحالية مقابل هيئات بديلة» وهما اجراءان كفيلان بسحق المهني والضوابط والمصالح المهنية بشكل كامل وشامل! وهكذا فلا يمكننا ان نفهم شعار «مهنة النقابات والاهتمام بالمهنة الا في حدود» الاكمة التي تخفي ما وراءها!. ـ محادين: الارقام التي يعلمها الكل واضحة للعيان ولمن يريد ان يقرأ.. نقول ان مجمل اعمال النقابات المهنية مهنية صرفة.. وهذا يأخذ جل عمل النقابات ولكن في المقابل من ذلك هل يمكن القول بأن على النقابات ان تتخلى عن عيونها وما يجري على ساحتها سواء الداخلية او الخارجية القريبة هل نحن من كوكب اخر اليست النقابات المهنية هي بمجموعها اعضاء ـ بشر ـ تهمهم مصالحهم ويشعرون بالخطر المحدق فيهم اذا كان هنا من خطر ويرون ضرورة الوقوف ان التصدي له او قول لا... في اية حال من الشعارات التي تفضلها الحكومة في هجومها على النقابات المهنية شعار المهننة، وكأن النقابات المهنية مشغولة بالدورات الحزبية والايديولوجية وبناء معسكرات سرية للتدريب الشاق، وإرهاق المدن والقرى والمخيمات بالمظاهرات تلو المظاهرات وتعريض الاردن للخطر الماحق كما لو كنا في الصومال او تورا بورا. وفي الحقيقة فإن هذا الشعار هو الذي يعرض الاردن للخطر ويستعيد المناخات العرفية ويستبدل التعايش بين الحكومات والنقابات بالصراع التناحري. ان خيارات الحكومة واضحة وجلية فإما الالتزام بما تدعيه من حديث عن الاجواء الليبرالية كمرجعية مقبولة للطرفين، واما التعامل مع المجتمع المدني كبنية قهرية للمجتمع السياسي السائد. ومن الملاحظ كذلك ان المهنة مصطلح مستعار بالكامل من ايديولوجيا العولمة والوضعية الجديدة التي تسوق نفسها كواقعية وعقلانية لا تضاهى. ان البيولوجيا والانحطاط بالعقل الى مستوى الضرائر ولعبة السوق المتحللة من الاعتبارات والمعايير الاخلاقية والاجتماعية، هي الأب الروحي لهذا المفهوم. ولم تكل الحكومة تطالب النقابيين بتذكر واجباتهم وتنسى انها لم ترع حقوقهم، وخاصة الحقوق الاجتماعية والديمقراطية.. ومن دراسة قيد البحث حول النقابات المهنية اقوم بها شخصيا فان غالبية المهنيين اما درسوا على حسابهم الخاص الجامعات الاردنية واما درسوا على حساب البلدان العربية «العراق.. سوريا» او على حساب المنظمة الاشتراكية السابقة، ولا اعرف شيئا عن الجامعات الاسلامية.. اما ابن «الذوات» فيدرس على حساب الشعب وما سيجري بحسب ما عهدناه ان يجد ابن «الذوات» في ثاني يوم يتخرج فيه على فرصة عمل ذات شأن فيما سيمكث ابناؤنا الايام والشهور والسنين حتى يجدون وظيفة تسد رمق جوعهم وجوع اسرهم التي يريدون ان يبنوها ولا يجدون.. ـ العرموطي: لا يمكن أن يؤثر الجانب السياسي والعمل الوطني والقومي على المهني خصوصا وان الجانب المهني مغطى تغطية كاملة، ومراعاة لكل مصالح النقابيين وذلك من خلال التشريعات والخدمات التي تقدم للاعضاء. واعتقد أن الهيئات العامة راضية كل الرضى عما يقدم لهم من خدمات أو حتى فيما يتعلق بالتأهيل المهني. واقول لمن يدعي عدم وجود نص دستوري في تعاطي النقابات المهنية للجانب السياسي أن النقابات المهنية مؤسسات أنشئت منذ إنشاء المملكة الأردنية الهاشمية، وتمارس العمل السياسي منذ ذلك التاريخ، ويدعم هذا الأمر الدستور الأردني، إضافة إلى ذلك فان نص رقم 17 من الدستور الأردني يؤكد انه يجوز للاردنيين مخاطبة السلطات في الهم العام والخاص ونحن نستند في مخاطبتنا لهذه الجهات من خلال نص الدستور. ونحن أيضا ـ كنقابة محامين ـ أعضاء في نقابة اتحاد المحامين العرب، الذي معظم اهدافه تتعلق في الجانب السياسي ومن هنا نحن نقوم بعملنا ضمن القنوات الدستورية. والجميع بات يعلم الآن أن لقمة العيش باتت جزءاً لا يمكن فصله عن الجانب السياسي. ـ حتر: هذا قول مستهجن مردود على صاحبه، إذ كيف تستطيع المهن في الأردن أن تسير لو أن النقابات المهنية فاشلة في تسييرها، بل على العكس تماما فإن عمل النقابات المهنية في الهم السياسي هو داعم اساسي لعملها المهني ومن هنا يشعر المهني بالاطمئنان بان جهة ما تدافع عن حقوقه، والا فإن الأمور ستتحول إلى فوضى.. ـ إلى هذا الحد؟ ـ حتر: واكثر من الفوضى نحن نتحدث كما قال بعض الاخوة عن نصف مليون مواطن أردني سيتضرر، ونتحدث عن تفاصيل عمل قامت به النقابات المهنية وذلك على مدار خمسين عاما من الجهد والبناء.. كيف تأتي في لحظة لتسلمها إلى الحكومة. إن معاملة رسمية واحدة تدخل بعض دوائر الدولة، فتضيع بين المحسوبيات والفساد الاداري والعشائرية والبيروقراطية، فكيف لو تحولت آلاف المعاملات التي تحلها النقابات المهنية بواسطة نقابيين مخلصين واعين متطوعين لا يتأثرون بالمحسوبيات ولا يرتشون، الى أقبية الدولة.. أنا اشير هنا إلى الزامية العضوية فالحكومة لا تستطيع على الأقل في الوقت الراهن فعل غير ذلك.. ما سنشهده هو عودة الحلاق إلى ممارسة الجراحة والمشعوذ إلى المعالجة بالجن والأرواح. ـ استاذ محادين هل هناك تعملق بالفعل من قبل النقابات المهنية من حيث امكانياتها وحجم الفعل لديها.. يعني كما يشير البعض النقابيون لا تمثلون الا اقلية فقط لماذا إذن كل هذا التعملق..؟ ـ محادين: نعم، كثيرا ما تتحدث الحكومة وكتّابها عن العدد والاقليات الضئيلة التي تتحكم في النقابات. وكأنها هي الاغلبية «الصامتة» وعموما فإن مشكلتنا مع العدد في الاردن مشكلة مركبة، فهو مصطلح شعبي تستعيره الحكومة من قاموس الثورات والجماعات اليسارية. ويفترض ان لا يروق ذلك لأية حكومة في الدنيا بما هي حكومة أقلية استولت على السلطة عبر الدبابات او السفارات او البنك الدولي. ولا يستحسن ان تتحدث الحكومات كثيرا في هذا الموضوع لأن أي استفتاء حقيقي ونظيف يحيلها الى التقاعد مبكرا.. وفي النهاية أود الاشارة الى ان المئة الف شخص المنضوين تحت غطاء النقابات المهنية لا يعبرون عن احوالهم هم ولا اسرهم سيتضاعف الرقم ليصل الى ما يقارب النصف مليون شخص عند احتساب اسر النقابيين هؤلاء جميعا ليسوا فقط الذين تعبر عنهم النقابات المهنية بل عن حالة عامة واسعة ضمن الدائرة الطبقية لهذه النخبة. واكثر من ذلك حديث الحكومة عن الاقليات النقابية يذكرني بديمقراطية أثينا أو الشيوعية البدائية.. ربما كانت في نية الحكومة استعارة النموذج اليوناني القديم.. وفي كل الاحوال فما الذي يضير الحكومة من خمسين او ستين او حتى مئة طبيب او مهندس او محامي يجتمعون في غرفة مغلقة اذا ما كانوا فعلا لا يمثلون احدا، ما الذي يمنع الحكومة من تحريك الاكثرية الصامتة بالالاف والخروج بالقرارات والتوصيات التي تريدها. ما الذي يخيف الاكثرية الحكومية المدعومة بدولة كاملة امام اقلية يمنعها شرطي واحد من الوصول الى مجتمع النقابات في احيان كثيرة. ـ العرموطي: هذا قول مردود على اصحابه واعتقد أن من يقول ذلك جاهل لا يفقه العمل النقابي الانتخابي لأننا إذا ما طبقنا هذه القاعدة فانها لن تمس النقابات لوحدها بل ستمس أيضا قطاعات كبيرة من مؤسسات الدولة ودليلي على ذلك أن هناك نواباً في البرلمان الأردني فازوا في الانتخاب بترشيح 800 صوت انتخابي فقط فهل نقول له أن تمثيلك هذا غير شرعي؟ هيئاتنا العامة تجتمع وتنتخب اعضاءها ويكون الحضور مميزاً في كل الهيئات العامة ولا يقتصر على طيف بعينه وانما كل اطياف الهيئات العامة مشاركة وليس الطيف الإسلامي لوحده بل القومي واليساري والوطني وعموما نحن نسير وفق القانون فنحن لا نحجب على أي إنسان للمشاركة في الانتخابات فليأت أي كان ليشارك ولو طبقنا هذا الاتهام على كل القطاعات لاعتبرنا أن الانتخابات التي تجري فيها غير قانونية وغير دستورية. ـ هل يمكن القول أن قصور تحرك الأحزاب السياسية أدى إلى تكثيف النقابات لنهجها السياسي؟ ـ بستاني: ليس بهذه الطريقة تفهم الأمور فبخصوص الدور الوطني للنقابات في مرحلة «الديمقراطية» المفترضة واخراج قانون الاحزاب السياسية الى حيز التطبيق، يجدر توضيح ثلاث مسائل. الأولى: ما ذكرته شخصيا سابقا حول تحديد القانون لحرية عمل الاحزاب، والقيود الهائلة التي تفرضها القوانين المؤقتة وغير المؤقتة على الحريات العامة والعمل الجماهيري جعل حركة الاحزاب «والهيئات والمنظمات» صعبا جدا، خصوصا ان عمرها العلني لا يتعدى الـ 12 سنة. المسألة الثانية: إن النقابات المهنية لعبت «ولا تزال» دورا تاريخيا في العمل الوطني، فهي منذ اعلان الاحكام العرفية في العام 1957 تعتبر الصرح الابرز والاقوى تأثيرا في الدفاع عن الوطن والمواطن. وكانت حتى عام 1989 المتنفس الوحيد للمعارضة التقدمية في الاردن، وخاضت نضالات كثيرة وقدمت تضحيات كبيرة في هذا الجانب وعليه فمن المستحيل «نظريا وفعليا» الغاء او حتى تجاوز هذا الدور التاريخي. ويصبح الحديث عن افراغ النقابات المهنية من دورها الوطني هو حديث عن احداث فراغ شعبي كامل في الاردن بعد افراغ الاحزاب من محتواها بقوة القانون والفراغ التشريعي ـ الرقابي القائم حاليا محل البرلمان منذ عام وعدم الدعوة الى انتخابات هذا الفراغ الذي تريد السلطة السياسية ان تملأه كليا ووحدها وبلا منازع. أما المسألة الثالثة: هي انه اذا غيبنا جانبا الدافع الاخلاقي والموضوعي الذي يحتم على المواطنين «ومنهم المهنيين» التدخل في الامور والمسائل الوطنية والعامة سواء بصفتهم افرادا او تجمعات، فاننا نرى ان هناك تلاصقا جدليا بين المهني والسياسي والوطني حتى في الجانب «المصلحي» منه. مثلا: الدفاع عن نضال الشعب العربي في فلسطين هو في بعض اجزائه، دفاع عن النقابيين اعضاء النقابات المهنية في الضفة العربية «النقابات المهنية في الأردن لا تعترف بقرار فك الارتباط بين الاردن والضفة الغربية، وهي مسئولية بشكل مباشر عن المهنيين في فلسطين «الضفة الغربية» ولديها ممثلين منتخبين في الضفة». الدفاع عن العراق هو في جزء منه دفاع عن اكبر رافد اقتصادي للاردن «سواء من حيث ان العراق هو الشريك التجاري الاول للاردن أو لكونه يمنح البترول للاردن باسعار «تشجيعية تفضيلية» وهو ما ينعكس ايجابا على اقتصاد الاردن ووضع المهنيين بشكل عام». مقاومة التطبيع والتغلغل الصهيوني هو في جزء منه رفض لالحاق الاردن بالمركز الامبريالي الاقليمي المستمر اسرائيل وتحويل اقتصاده الى اقتصاد تابع لهذا المركز، والتأثير المدمر الذي يحدثه كل ذلك على الاقتصاد الاردني والمواطن الاردني والآثار السلبية التي تعكس على المهنيين جزاء ذلك. ينسحب كل ذلك على جميع القضايا التي تهم المواطنين بشكل عام في الاردن «الحريات، الفقر، البطالة..» وغير بعيد عنا ان نعلم ان المهنيين مواطنون ايضا او لهذا فان الدور الوطني للنقابات المهنية هو دور جدير وموضوعي ومنطقي بل ضروري تماما. ـ العرموطي: الأمر لا يتم الحديث عنه بهذه الصورة فانا لا انظر إلى أن من حق الحزبي وحده التطرق إلى السياسة هذا خطاب يتناقض مع الدستور الأردني اضف إلى ذلك أن النسبة العظمى من الشعب الأردني لا ينتسب إلى أي حزب سياسي فهل المطلوب من المواطنين عدم الحديث بالسياسة إلا إذا كان حزبيا في أي قانون شرع هذا المبدأ. أنا كقانوني واتحدث وفق القانون الدستور الأردني يقول في نص المادة «6» الاردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، فالحرية الشخصية، الحقوق الاجتماعية، والاقتصادية كل هذا منصوص في الدستور الحديث عما يهم أوضاعي ومستقبلي ومستقبل ابنائي حق كفله لي الدستور سواء كنت حزبيا أو نقابيا أو شخصا عاديا. ثم ماذا يمكن أن تفعل الأحزاب لوحدها أمام كل هذه التحديات.. إضافة إلى ذلك فان هناك الكثير من القضايا والاجراءات الرسمية التي تتصل بعمل النقابات المهنية بفروعها بصورة مباشرة.. ما هو المطلوب مني كنقابة محامين أن اعمل في ظل اصدار الحكومة لأكثر من 120 قانوناً مؤقتاً غير دستوري.. اليس من واجب نقابة المحامين إن هي رأت في هذا الإجراء أو ذلك مخالفة دستورية أن تقول أن هذا مخالف للدستور.. هل فقط على نقابة المحامين الاكتفاء بعملها المهني فقط.. اليس من عملها المهني التطرق إلى موجة القوانين المؤقتة التي اقرتها الحكومة الأردنية.. حتى وان قالت الأحزاب وتظاهرت واعتصمت وقالت لا لهذه القوانين.. فاين يمكن أن يكون موقع نقابة المحامين في هذا الجانب.. بل إذا ما سكتنا فإن السكوت سيكون مريبا.. ـ لماذا اعتاد الشارع الأردني لأن يكون خيار النقابات المهنية تاريخيا هو خيار المعارضة؟ ـ بستاني: اريد ان اشير الى ان النقابات المهنية هي مؤسسات ديمقراطية بالكامل وسياستها على الصعيد المهني والوطني تنبع من توجهات الهيئات العامة لهذه النقابات، حيث ان الهيئة العامة هي السلطة الاعلى في النقابة وهي التي تعزز جميع المحاور المفصلية من خلال آليتين هما: ـ اجتماع الهيئة العامة السنوي وما يتمخض عنه من قرارات وتوصيات وتوجهات. ـ انتخابات المجالس النقابية وهي انتخابات ديمقراطية بالكامل تجرى كل سنتين او كل ثلاث سنوات «بحسب النقابة المعنية» وتفرز النقيب ومجلس النقابة الذي ينفذ قرارات وتوصيات الهيئة العامة. ومن الجدير ملاحظته هو ان «الثوابت الوطنية» للنقابات هي محط اجماع لجميع المشارب الفكرية والسياسية المنضوية في اطار الهيئة العامة. فمقاومة التطبيع والتغلغل الصهيوني على سبيل المثال هو قرار الهيئات العامة لجميع النقابات المهنية على الاطلاق وليس قرارا لاحد المجالس المنتخبة. وهذا الأمر ينسحب على جميع القضايا الوطنية قاطبة، وبالامكان الاستدلال على هذا من خلال النظر الى تركيب اللجان النقابية المعنية بالعمل الوطني حيث يجلس الماركسي، الى جانب القومي، الى جانب الاسلامي في تناغم كامل ولا تكون الخلافات عادة الا حول قضايا اجرائية تفصيلية. ومن هنا فان الحديث عن «معارضة» النقابات المهنية هو قطعا ليس حديثاً عن «عادة» او «مناكفة» او «دقر» بل هو تعبير عن عدم توجه للسياسات العامة للحكومة هو في حقيقته صورة طبق الاصل عن عدم الرضى الجماهيري الواسع في جميع القطاعات الشعبية، تكثيف وجد صيغته المنظمة في جسم النقابات المهنية التي تضم كما اسلفت 100.000 عضو هم الشرائح المتعلمة والمثقفة في الاردن وهو تكثيف يجب على السلطة السياسية ان تستوعب ابعاده المختلفة بدلا من ان تخوض صراعا خاسرا ضده. الصور: صالح العرموطي موفق محادين المهندس علي حتر الدكتور هشام بستاني نقيب المحامين كاتب صحفي

Email