السبت 2018/05/05

آخر تحديث: 14:21 (بيروت)

المنافسة ممنوعة شيعياً

السبت 2018/05/05
المنافسة ممنوعة شيعياً
في لبنان، هناك صنفان من الانتخابات (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

في لبنان، هناك صنفان من الانتخابات. الصنف الأول هو بيعة الناخبين الشيعة للثنائي الشيعي. هؤلاء ليسوا مواطنين عاديين يقترعون لخيارات متعددة، بل رعايا يُبايعون المقاومة ويرجمون الشياطين المعارضين لها.

الصنف الثاني هو اللبنانيون غير الشيعة، ولديهم خيار التصويت للمجتمع المدني ورجال أعمال وربما خصوم آخرين منافسين للزعماء التقليديين. ليست الصورة هنا صافية أو وردية، بل تملؤها شوائب، لها علاقة بالرشوة وتحدي الخرق ضد الجدار الطائفي والعلاقة الزبائنية بين زعماء الطوائف والناس.

والواقع أن الصُنف الأول من الانتخابات ظهر واضحاً وبشكل صارخ خلال الشهور الماضية، متميزاً بقوة عن الثاني. بيد أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لم يترك مُناسبة إلا واستغلها لتأكيد أن هذه الانتخابات بيعة، وأن التصويت ضد قوائم الثنائية الشيعية أشبه بخيانة عظمى وتواطؤ مع أعداء الأمة، من الولايات المتحدة واسرائيل إلى التكفيريين وغيرهم. أسهب نصرالله في خطاباته في شرح المؤامرات الانتخابية وضرورة مواجهتها لدرء المخاطر، وحتى دخل في تفاصيل غريبة، مثل أن مرشحي السفارات الحابكة للمؤامرات في بعلبك- الهرمل يدفعون أموالاً لإرسال جماهير المقاومة في زيارات دينية مجانية إلى العراق وايران خلال فترة الانتخابات، كي لا يُدلون بأصواتهم.

بالروحية ذاتها، تداولت صفحات لحزب الله وأنصاره فتاوى دينية غريبة تُصوّر للناس عدم الاقتراع لقوائم الثنائية على أنها جُرم عظيم يدخل صاحبها النار. مثلاً، نشرت قائمة "نحمي ونبني" خلال الأيام الماضية الفتوى الآتية للشيخ حسين كوراني: "من يقترع بورقة بيضاء، يطعن المجاهدين في الظهر… ويُحاسب يوم القيامة عن حُصّته من دماء الشهداء الذين يستشهدون بعد الانتخابات في لبنان وخارجه. وهو شريك الذين دَوعشوا الدواعش ومولوا عمليات السيارات المفخخة". بكلام، إذا أدليت بصوتك في الانتخابات لغير حزب الله، فإنك تدخل النار حيث تلقى عذاباً شديداً، وفعلتك هذه أشبه بزرع سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية، والمشاركة في قتل عناصر الحزب بعد 6 أيار.

طبعاً، هذا يُعيدنا إلى حقيقة أن قانون الانتخابات وضوابط التنافس لا تنطبق على حزب الله وحلفائه. الحزب هو كيان فوق القانون وعابر له. في قانون الانتخابات اللبناني الحالي، منع لأي دعاية انتخابية تحوي تحريضاً مذهبياً، وأيضاً "الامتناع عن بث كل ما من شأنه أن يُشكل وسيلة من وسائل الضغط أو التخويف أو التخوين أو التكفير أو التلويح بالمغريات أو الوعد بمكاسب مادية أو معنوية". أليست فتوى كوراني خرقاً لهذا القانون. وأيضاً، احتوى بيان انسحاب المرشح محمد حمية من الانتخابات في دائرة بعلبك الهرمل، اتهامات صريحة لحزب الله بممارسة "ضغط غير مسبوق واتهامات شتى بشق الصف"، وتحدث كذلك عن فشل النظام الانتخابي الحالي عن محاسبة ومتابعة الانفاق والتجاوزات المادية والإعلامية.

في التمويل، الخرق أكثر وضوحاً. ورد في القانون البند الآتي: "يُمنع منعاً باتاً على المرشح أو اللائحة قبول أو استلام مساهمات أو مساعدات صادرة عن دولة اجنبية أو عن شخص غير لبناني، طبيعي أو معنوي، وذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة". أليس حزب الله نفسه كياناً ممولاً من دولة ايران، باعتراف نصرالله، ما يسمح له بخلاف المرشحين الآخرين، بإنشاء شبكة هائلة من المحازبين. ثم، أليس الانفاق من خلال شبكة المستشفيات والمستوصفات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، الممولة من ايران أيضاً، خرقاً انتخابياً صريحاً؟

ربما من الأفضل على معارضي الثنائية الشيعية تبديل خطابهم وتحوير مسار نشاطهم من محاولة الخرق انتخابياً، إلى المطالبة بحق المواطنة في مناطق تعيش اهمالاً انمائياً متواصلاً، وحكماً دينياً مباشراً يُحرّم التنافس ونصّب نفسه بغير حق ممثلاً لله على الأرض.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها