السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الوجود المسيحي في العراق يتلاشى على وقع موجات الهجرة المتتالية

المصدر: النهار
تقلص عدد المسيحيين في بغداد من 750 ألفا في 2003 بنسبة 90 في المئة.
تقلص عدد المسيحيين في بغداد من 750 ألفا في 2003 بنسبة 90 في المئة.
A+ A-
 
غادر بعضهم خلال الاجتياح الأميركي للعراق، وآخرون خلال الحروب الطائفية التي احتلّ خلالها جهاديون قراهم، وغيرهم بسبب الأزمة المعيشية الحالية... موجة هجرة بعد أخرى، يتقلّص عدد المسيحيين في العراق، فيما يحلم الباقون منهم في البلاد، بالمغادرة.
تعيش عائلات مسيحية عراقية كثيرة التقتها "وكالة الصحافة الفرنسية" في كردستان العراق، أو في الأردن أو أوستراليا أو غيرها من الدول، حنينا الى وطن ترفض في الوقت ذاته فكرة العودة إليه.
ويعلّق كل هؤلاء في الداخل والخارج آمالا بأن يحمل لهم البابا فرنسيس الذي سيزور العراق في مطلع آذار، كلمات معزية ومطمئنة، ولو أنهم لا يتعلّقون بالأوهام، في ضوء الأزمات الأمنية والاقتصادية المتلاحقة والتوترات السياسية التي تعيشها البلاد.
ويقول سعد هرمز (52 سنة) الذي كان يعمل سابقا سائق تاكسي في الموصل، وهو يعيش اليوم في الأردن: "آمل في أن يطلب البابا خلال زيارته للعراق من الدول التي تستقبل لاجئين مسيحيين مساعدتنا... لأن العودة إلى العراق (الآن) غير واردة".
وعلى رغم من غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المسيحيين في العراق بسبب عدم إجراء تعداد سكاني منذ سنوات، يقول وليم وردة، رئيس منظمة حمورابي التي تتولى الدفاع عن الأقليات في العراق، إن هناك حاليا 300 إلى 400 ألف مسيحي في العراق في مقابل مليون ونصف المليون قبل الغزو الأميركي عام 2003 الذي انتهى بالإطاحة بنظام صدام حسين.
ويأتي ذلك بعدما غادر ما يقرب عن نصف مليون منهم إلى الولايات المتحدة، وتوجه آخرون الى دول اسكندينافية وأوستراليا.
في 2007، قتل عم وعمة طبيبة الأسنان رنا سعيد برصاص عشوائي أطلقه جنود أميركيون رداً على هجوم تعرضوا له ليلة رأس السنة في مدينة الموصل (شمال)، لكن هذه الطبيبة وزوجها الطبيب البيطري عمار الكاس أصرّا في حينه على البقاء في مدينتهما.
لكن عدم وجود محاسبة أو تطبيق أي عدالة في القضية، دفعهما في 2008 الى اتخاذ قرار الرحيل، فانتقلا الى كردستان. وكانا يفرّان أيضا من التوتر الطائفي و"مسلسل اغتيالات نفذتها مجموعات مسلحة" استهدف عدد كبير منها مسيحيين، وفق ما ذكر الكاس لوكالة فرانس برس.
في 2013، سافر الزوجان اللذان ينتميان الى طائفة السريان الأرثوذكس إلى أوستراليا حيث نشأت بناتهن الثلاث سارة (عشرة أعوام) وليزا (ستة أعوام) وروز (ثلاثة أعوام) في مدينة غولد كوست.
وأصرّ الوالدان على تعليم بناتهما العربية والسريانية الى جانب الإنكليزية.
وفي الطرف الآخر من العالم، لم ينقطع الزوجان عن متابعة ما يدور في العراق خصوصا بعد اقتحام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لبلدتهما الصغيرة في صيف 2014.
وتستذكر رنا تلك الأيام قائلة :"كنتُ حاملا بابنتي ليزا، وكان عمار لا يريدني أن أسمع الأخبار لأنها تسبّب قلقاً يؤذي الطفل، وكان يبعد هاتفي وأجهزة الحاسوب عني".
وتضيف فيما اغرورقت عيناها بالدموع "كوابيس مرعبة كانت تلاحقني بأن الدواعش يقتلون أهلي ويغتصبونهم".
ويقول عمار إنه صُدم آنذاك بخبر تدمير كنيسة القديسة مريم في الموصل التي عمرها 1200 عام. ويقول بحسرة "دُمِّرت بالكامل، هي الكنيسة التي تزوج فيها والدي".
 
بعد "داعش" المجموعات المسلحة 
وعاش سعد هرمز من جهته تلك الأيام بتفاصيلها، وكان شاهدا على وصول الشاحنات التي رفعت رايات "داعش" السود الى بلدته.
ففي السادس من آب 2014، دخل جهاديون الى برطلة، البلدة المتعددة العرق الواقعة على أطراف مدينة الموصل.
ويقول :"في البداية، هربنا الى القوش"، وهي بلدة ذات غالبية مسيحية تقع الى الشمال "ثم إلى إربيل"، عاصمة إقليم كردستان. هناك، عاش مع زوجته أفنان (48 عاما) وأولاده الأربعة وأكبرهم فادي (19 عاما) وأصغرهم ناتالي في السابعة من العمر، في كنيسة، قبل ان يستأجر شقة في مقابل 150 دولارا شهرياً على مدى ثلاث سنوات، الأمر الذي كلفه الجزء الأكبر مما كان يملك.
وتأملت العائلة خيرا بالعودة الى حياتها السابقة عندما أعلنت القوات العراقية في تشرين الأول 2017، تحرير برطلة من قبضة الجهاديين.
لكن عائلة هرمز اكتشفت بأن الأوضاع تغيّرت تماماً. فمنزلها احترق بعدما سرقت محتوياته، ولم يعد إصلاح ما تضرّر مجدياً، لأن المنطقة أصبحت تحت سيطرة قوات الحشد الشعبي، وهي مجموعات عسكرية تهيمن عليها فصائل شيعية موالية لإيران.
ويستذكر هرمز قائلا :"عشنا بالخوف من حواجز التفتيش والميليشيات المنتشرة في كل مكان...لذا بعت كل ما أملك حتى سيارتي، وسافرنا إلى الأردن".
وتعيش العائلة منذ شباط 2018 في شقة من غرفتين في عمان على أمل إعادة توطينها في كندا حيث بعض أقاربها. لكن ملف الهجرة عالق بالنسبة الى العائلة، بسبب تفشي وباء كوفيد-19 وتدفق اللاجئين من العراق وسوريا الى دول أوروبية خصوصا والى القارة الأميركية وغيرها...
وبسبب تسجيل هرمز نفسه كلاجئ في الأردن، لا يحقّ له العمل، وهو يعتمد على التبرعات التي تقدم في كنائس عمان لإطعام أسرته.
 
الغربة والبعث
ويقول الأسقف الكلداني سعد سيروب حنا البالغ من العمر 40 عاما والذي عيّنته الكنيسة الكلدانية في السويد منذ 2017، أن الكثير من العراقيين بين أبناء رعيته في السويد لا يريدون العودة الى العراق.
ووُلد حنا في بغداد وأرسل الى السويد للاهتمام بأكبر تجمع كلداني في أوروبا قوامه نحو 25 ألف شخص وصلوا إلى البلاد في موجات على مدى العقود الأربعة الماضية.
وعاش فترات عنف كثيرة في العراق فرّ خلالها كثيرون، وهو يصفها بـ "الفوضى العظيمة". وتعرّض للخطف في العام 2006 بعدما ترأس قداسا في العاصمة العراقية.
ويقول حنا : "احتُجزت وتعرضت لأمور عديدة بينها التعذيب والعزلة". ويضيف: "هذه التجربة أعطتني القوة أيضا. لقد ولدت من جديد، أنظر إلى الحياة بطريقة مختلفة بنعمة عظيمة وحبّ كبير".
ويقيم أكثر من 140 ألف عراقي في السويد من بينهم رغيد بنّا، وهو مواطن من الموصل استقر في بلدة سودرتالي في عام 2007، وكان في السادسة والعشرين.
ويقول بنّا، وهو اليوم أب لطفلين: "ثمة الكثير من الكلدان هنا لدرجة أنني لا أشعر حتى أنني في غربة".
 
من إراقة الدماء إلى الإفلاس 
ويقول وردة إن العائلات الشابة تهرب من العراق وتترك غالبا وراءها الوالدين من الجهتين الأكبر سناً. ويوضح "كانت الأسرة المسيحية تتكون إجمالا من خمسة أفراد. والآن انخفض العدد إلى ثلاثة".
في بغداد، تقلص عدد المسيحيين من 750 ألفا في 2003، بنسبة 90 في المئة.
ويقول الإيكونوموس يونان الفريد، الوكيل العام للروم الارثوذوكس في العراق، إنه مع انخفاض عدد المصلين، "أغلقت ما بين 20 الى 30 بالمئة من كنائس العراق"
ويقول الكاهن الذي بقي في العاصمة، فيما هاجر شقيقه إلى كندا وشقيقته إلى الولايات المتحدة: "الناس يستمرون في المغادرة، المسيحيون يحاولون فقط ادّخار ما يكفي من المال، وبعد ذلك بأسرع ما يمكن ، يهاجرون".
واختارت سالي فوزي، الكلدانية من بغداد، العيش في الولايات المتحدة حيث منحت اللجوء العام 2008، بعد عام من مأساة في عائلتها.
وتساهم الظروف الاقتصادية الصعبة اليوم في استمرار هجرة المسيحيين. وازدادت الأزمة بسبب جائحة كوفيد-19، وقد نتجت أصلا عن انهيار أسعار النفط وهبوط أسعار العملة المحلية في مقابل الدولار وتفشي الفساد في الدولة.
وأدى ذلك إلى تأخير أو خفض رواتب موظفي القطاع العام في العراق وفي إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، والذي يعيش فيه الكثير من المسيحيين.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم