حفل إفطار الأسرة المصرية.. مائدة خوف وانقسام

الأربعاء 27 أبريل 2022 12:41 م

رسائل عدة، وأجواء ملبدة بالغيوم، أحاطت بحفل إفطار الأسرة المصرية بمشاركة الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، وسط أزمة اقتصادية طاحنة، وغلاء معيشي، يضرب البلاد.

وشهد الحفل الذي يقام سنوياً منذ 2017، مشاركة واسعة من الشخصيات العامة ورؤساء الأحزاب السياسية وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ والوزراء، وساسة محسوبين على المعارضة.

وعلى الرغم من الزخم الإعلامي الذي واكب الحفل، والاحتفاء الرسمي بما صدر عنه من نتائج، فإن المواطن المصري لم ينل المأمول مما كان يمني النفس به.

وما بين إشادات بقرارات "السيسي"، وانتقادات المعارضة، كانت دعوة "السيسي" لإدارة حوار سياسي دون استثناء حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، أبرز ما تمخض عنه الإفطار، الذي حمل وراء الكواليس مشاعر خوف، وانقسام، وأزمة خانقة خلال السنوات الثماني الأخيرة.

قمع واعتقالات

بالتزامن مع الإعداد للحفل، جرى الكشف عن اعتقال الإعلامية في التلفزيون المصري، "هالة فهمي"، وعرضها على نيابة أمن الدولة العليا، والتي قررت حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات، لاتهامها بـ"الانضمام لجماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة".

وجاء اعتقال "فهمي" بعد  ساعات قليلة من ظهور الصحفية في مجلة "الإذاعة والتلفزيون" (حكومية)، "صفاء الكوربيجي"، أمام نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، وحبسها لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بالتهم ذاتها.

وتتزامن الاعتقالات مع حديث "السيسي" عن ضرورة إطلاق "حوار سياسي"، وإصدار قرار بتفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي المعنية بملف المعتقلين من سجناء الرأي، الأمر الذي بعث برسالة خوف من المجهول للمشاركين في الحفل الرئاسي.

وشارك في "إفطار الأسرة المصرية"، المرشح الرئاسي السابق "حمدين صباحي"، الذي اختفى عن المشهدين السياسي والإعلامي منذ سنوات، منذ ترشحه ضد "السيسي" في الانتخابات الرئاسية المصرية مايو/أيار 2014، ونال خلالها أصواتا أقل من عدد الأصوات الباطلة فيها.

الملفت هو حضور رئيس حزب الدستور، الصحفي والمعارض المصري البارز "خالد داود"، بعد أن أمضى قرابة عامين في الحبس الاحتياطي، بتهمة "نشر أخبار كاذبة، والتعاون مع جماعة إرهابية"، وهو ما كان مثار جدل وانتقاد، كونه عانى القمع من نظام يدعو الآن للحوار.

قرارات وتكليفات

في محاولة للايحاء بإحداث انفراجة سياسية، عبر "السيسي" عن سعادته بالإفراج عن دفعات من أبناء مصر المعتقلين خلال الأيام الماضية، مؤكداً أن "الوطن يتسع للجميع وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية".

ومنذ الانقلاب العسكري 3 يوليو/تموز 2013، ألقى "السيسي" بالآلاف من معارضيه خلف الأسوار، دون أن يتسع الوطن للجميع، كما عاقب من انتقد سياساته بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وهو ما حدث مع "فهمي" و"الكوربيجي"، و"داوود" ذاته الذي حضر الحفل كمشارك بعد أن كان محبوسا احتياطيا حتى أبريل/نيسان الماضي.

وبينما حضر مرشح رئاسي سابق (صباحي) الحفل، غاب آخرون خلف القضبان، من أبرزهم "عبدالمنعم أبوالفتوح"، و"حازم أبوإسماعيل" و"أحمد قنصوة"، وفُرضت الإقامة الجبرية على مرشحين آخرين يحملان رتبا عسكرية، هما رئيس الأركان الأسبق "سامي عنان"، والفريق "أحمد شفيق".

وإلى جانب دعوة "السيسي" لإدارة حوار سياسي، وتفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، تضمنت قرارات الرئيس المصري، تكليف الحكومة بطرح شركات مملوكة للدولة في البورصة في نهاية العام الحالي، وإعلان خطة واضحة لخفض الدين العام، وزيادة الدعم المقدم لمزارعي القمح، والقطاع الخاص، ودعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي.

حوار ناقص

لكن "صباحي" الذي ثمن دعوة "السيسي" لإجراء حوار سياسي مع القوى السياسية والحزبية بشأن القضايا الوطنية، اشترط الإفراج عن سجناء الرأي حتى يكون للحوار جدوى، وفق موقع "مصراوي" (محلي).

واعتبر الكاتب الصحفي "أنور الهواري"، عبر "فيسبوك"، أن مثل هذا الحوار- لو تم- سوف يكون له هدفان اثنان فقط لا غير؛ إعفاء النظام الحاكم من المساءلة والمحاسبة عن حصاد السنوات الثمانية التي تنتهي منتصف العام الجاري.

والهدف الثاني منح النظام شهادة مرور أو تفويض ثاني ليكمل في السلطة 8 سنوات مقبلة تنتهي حسب المخطط في 2030، تفويض جديد لكن في شكل وإخراج مختلف، بحسب "الهواري".

بينما رأى رئيس تحرير صحيفة "المصريون" (مستقلة قيد التحفظ)، "جمال سلطان"، أن "كلمة السيسي في ما يسمى إفطار الأسرة المصرية، ملخصها اعتراف بالحالة البائسة والخطيرة التي وصلت إليها مصر في حكمه، ومحاولته تبريرها وتوزيع الاتهامات بالمسؤولية على آخرين".

وأضاف عبر "فيسبوك: "قلت لكم، الجنرال مأزوم، حائر، مضطرب، مرتبك، يقدم خطوة ويرجع عنها، ثم يعود إليها، يخاف من القريب، ويخاف من البعيد، الحاضر خناق وورطة، والمستقبل طريق مظلم ومسدود، والماضي كوابيس تطارده، والأيام دول".

وسخرت الصحفية "سلافة سلام" من تصريح "السيسي" بأن "الوطن يتسع للجميع"، قائلة عبر "تويتر": "إفطار يدعو له الرئيس ‎السيسي، ويحضره معتقل سياسي سابق، ومرشح رئاسي سابق ممنوع من الظهور إعلامياً داخل بلده! وفي نفس الوقت القبض على إعلامية، إلغاء قرار إطلاق سراح محامي، والإفراج عن 41 سجينا سياسيا، في مقابل استمرار حبس 60 ألف معتقل!".

وتساءل الممثل المصري "عمرو واكد": ‏"هو ليه بيقول استنفدنا الاحتياطي النقدي؟ هم مين اللي استنفدوا؟ المفروض يقول استنفدت، هو حد جاب ضلفها غيره؟ دول كلهم سكرتارية وحتى دول داخوا منه، وبعدين في رئيس جمهورية مقدم على قروض يطلع يقول كده؟ مين ها يسلفك بعد كده؟ في حد يتآمر على نفسه بالشكل ده؟ سبحان مسلط النفس على النفس".

وخلال الحفل، ألقى "السيسي" مجدداً باللوم على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في تردي أحوال البلاد الاقتصادية وانخفاض الاحتياطي النقدي، كما أعاد مهاجمة جماعة "الإخوان" والرئيس الراحل "محمد مرسي"، مدافعا عن مسلسل "الاختيار" الذي يجسد شخصيته ودوره في الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، بعد عام واحد فقط من ولايته الرئاسية الأولى.

وجدد "السيسي" نفيه التآمر على "مرسي" أو خيانته، مترحما عليه، وهو ما أعاد الجدل على مواقع التواصل، والتذكير بوفاة الراحل في قاعة المحكمة، داخل محبسه، دون تقديم أي خدمات طبية له، فضلا عن حرمانه من جنازة لائقة، ومنع أسرته من دفنه في مقابر العائلة بمسقط رأسه في محافظة الشرقية (دلتا النيل)، وفق وصيته، ومنع ذويه من تلقي العزاء فيه، يونيو/حزيران 2019.

يبدو إذن أن حفل "إفطار الأسرة المصرية" لم يبدد رسائل الخوف التي حملتها الاعتقالات الأخيرة، وربما بدا محاولة لكسب الوقت من رئيس مأزوم يفرض على البلاد حالة من الانسداد السياسي، ويواجه إفلاسا اقتصاديا، وديونا متراكمة في الداخل والخارج، قبل رئاسيات 2024.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر إفطار الأسرة المصرية السيسي الإخوان صباحي اعتقالات هالة فهمي