كان الاقتصادُ أحد مقومات الحروب على مر التاريخ، فالتفوقُ في ميادين القتال يتطلبُ مواردَ لا غنى عنها لتوفير عدّة الحرب وعتادها. ولهذا كان استهدافُ موارد العدو جزءاً من خطط الحرب منذ مراحلها الأولى البدائية. وتَطورَ هذا الاستهدافُ مع الزمن حتى بلغ أعلى مبلغٍ له في الوقت الراهن.
لجأ حلفاءُ أوكرانيا الغربيون إلى فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، كماً وكيفاً، ضد روسيا. وهي تشملُ معظم قطاعات الاقتصاد والمال والتجارة. لكن حاجة أوروبا إلى الوقود حالت دون إدراجه ضمن هذه العقوبات بشكل فورى، الأمر الذي يُقللُ فاعليتَها نسبياً، لأن صادرات روسيا من النفط والغاز تمثلُ نحو 20% من ناتجها المحلي الإجمالي، وحوالي نصف عائدات ميزانيتها الفيدرالية.
وتُعد أوروبا المُستورد الأول للنفط والغاز الروسيين. ورغم وجود تباينٍ بين المصادر بشأن واردات أوروبا، فالقدرُ المُتيقنُ أنه لا يقل عن 45% من إجمالي صادرات روسيا من النفط والغاز، مع تفاوتٍ بالطبع فيما تستوردُه كلُ دولة. ولهذا لا يكف مسؤولون أوكران عن مناشدة الاتحاد الأوروبي وقف استيراد الوقود من روسيا على أساس أن عائداته «تُموَّلُ آلةَ الحرب».
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ لا تستطيعُ الدولُ الأوروبيةُ الأكبر تحمّل التبعات الاقتصادية والاجتماعية لوقف استيراد الوقود من روسيا الآن، وخاصةً الغاز. ولهذا شرع الأوروبيون في البحث عن بدائل للغاز الروسي، اعتماداً على أن سوقَه العالميةَ أكثرَ مرونةً من سوق النفط المنظَّمة وفق قواعدٍ وحصص إنتاجٍ محددة. وبدأت روسيا أيضاً في البحث عن مستوردين آخرين للغاز، إلى جانب الصين التي وقَّعت معها اتفاقات في فبراير الماضي لزيادة صادراته إليها. 
وهكذا أشعلت الحربُ في أوكرانيا معركةَ وقودٍ كبيرة، يُرجحُ أن تستمر بعد انتهاء العمليات العسكرية. وهذه معركةٌ صعبة تبدو الخياراتُ فيها محدودةً في المدى القصير، إذ يتعينُ على أوروبا تعويضَ نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية لعام 2021، فيما يتوجبُ على روسيا إيجاد مستوردين آخرين لهذه الكمية الضخمة لكي تحافظ على الدخل المُحقق من تصديرها.
تحتاجُ أوروبا إلى ما لا يقلُ عن ثلاث سنواتٍ لتعويض الوقود الروسي، من خلال تنويع المورِّدين وتعزيز قدراتها في مجال تخزين الغاز المُسال، وتطوير مصادر الطاقة الجديدة، إلى جانب إجراءاتٍ عاجلةٍ بُدئ في اتخاذها لتحسين إدارة سوق الكهرباء.
وتحتاجُ روسيا إلى فترة مماثلة لمد الجزء الثالث من خط أنابيب «قوة سيبيريا» الذي يربطُ بين حقول الغاز الروسية في شرق سيبيريا والصين. لكن الفجوة ستبقى كبيرةً بين الكميات الإضافية التي ستُصدر إلى الصين، وواردات أوروبا الحالية. ولهذا بدأت روسيا في البحث عن مستوردين آخرين في آسيا.
حدودُ المناورة، إذن، ضيقةٌ بالنسبة لكل من الطرفين؛ الأمر الذي يتطلبُ منهما التعقُّل في إدارة هذه المعركة بصفة خاصة للحد من آثارها الضارة على الشعوب.

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية