«حرب الأعماق» للفوز بمليارات الأطنان من المعادن النادرة (1 من 2)

… وفي شهر يوليو 2023، «بدأت» دولة ناورو بإسم شعبها البالغ عدده 13 ألف نسمة، وبتكليف من بعض الدول والشركات الغربية، قرع طبول حرب الأعماق على المعادن النادرة. والتي تقدر بمليارات الأطنان القابلة للاستخراج .

أما إعلان الحرب فيبقى رهناً باستكمال الدول الكبرى استعداداتها اللوجستية المتعلقة ببناء أساطيل التعدين وتركيب التحالفات. والاستعدادات القانونية والتنظمية المتعلقة بالبيئة ومعايير توزيع “فتات المغانم” على الدول النامية تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة باعتبار هذه الثروة “تراث لكل البشرية”.

مشكلة تراخيص التعدين

نشير بداية إلى أن الثروة المعدنية في قاع البحار معروفة منذ القرن التاسع عشر. وبوشر باستغلالها في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وتوقفت عمليات الاستخراج لأسباب معروفة سنأتي على ذكرها. ولكن يبقى السبب الحقيقي غامضاً خاصة في ظل عدم حماسة الولايات المتحدة المستمرة من ذلك الحين حتى الآن. علماً ان كميات هائلة من المعادن النادرة مثل المنغنيز والنحاس والنيكل والكوبالت والزنك، مع تركيزات أقل من الليثيوم والتيتانيوم موجودة على شكل كرات بحجم حبات البطاطس على رمال سطح القاع أو على شكل قشور على صخوره.

أميركا تتريث بسبب التداعيات الخطيرة على الجغرافية السياسية لمنطقة المحيطين الهادئ والأطلسي في إطار صراعها مع الصين

بالنسبة لمطالبة دولة ناورو ببدء أعمال التعدين التجاري من خلال شركة (ذا ميتالز تي إم سي) الكندية. فهي تستند إلى قرار اتخذته هيئة الأمم المتحدة لقاع البحار (ISA) في العام 2017. ويقضي بانجاز قانون دولي مع اللوائح التنظيمية والمعايير التي تحكم التعدين التجاري في قاع البحار بحلول العام 2020. وتم الاتفاق في العام 2021 بسبب جائحة كورونا، على تمديد المهلة إلى منتصف العام 2023، فيما بات يعرف بـ “مهلة السنتين”.

وكان مقرراً أن تبدأ الهيئة بتلقي طلبات تراخيص التعدين في يوليو الحالي. ولكن مجلس المؤسسة اتخذ قراراً بالتأجيل خلال اجتماع عاصف عقد في شهر مارس الماضي في جامايكا. وشهد انقساماً حاداً في المواقف بين تيار مؤيد تقوده ضمناً الصين ويضم كندا والنرويج والعديد من الدول الجزرية. وتيار معارض تقوده ضمناً أميركا ويضم بريطانيا وفرنسا و12 دولة أخرى قامت بتقديم مطالبة رسمية بوقف مؤقت لعمليات التعدين.

كرات المعادن بانتظار الحصاد

استكمال «عدة الشغل»

السبب المعلن للمطالبة بتأجيل التعدين التجاري، يتعلق بقضية البيئة. وقيام أكثر من 600 عالم وخبير سياسات من 44 دولة بتوقيع عريضة تطالب بحظر التعدين في أعماق البحار حتى يتم الحصول على معلومات علمية كافية ودقيقة. ويقول عالم التاريخ الطبيعي أدريان غلوفر المكلف من الحكومة البريطانية بدراسة الأثر البيئي للتعدين: “لا نعرف حقا ما يجب حمايته وكيفية القيام بذلك. فالتنوع البيولوجي في أعماق المحيط مجهول لنا بنسبة 90 في المئة. ويؤيده في ذلك رئيس اللجنة التوجيهية لرسم خريطة أعماق المحيطات، الأدميرال شين تاني بقوله “نحن نعرف عن تضاريس المريخ وتكويناتها، أكثر بكثير مما نعرفه عن تكوينات قاع المحيطات”.

قرار تاريخي للأمم المتحدة باعتبار ثروات قاع البحار«ملك مشترك للبشرية»، وتوزيع جزء من أرباح التعدين على الدول الفقيرة

أما الأسباب الحقيقية التي تمنع تكرار ما حذر منه غلوفر، أي “مباشرة استغلال الموارد الطبيعية والتصنيع، ومن ثم الاهتمام بالآثار البيئية”، فهي ان غالبية الدول المعترضة لم تستكمل بعد “عدة الشغل” وخاصة أميركا التي تواجه مشكلة حقيقية كونها ليست عضواً في (ISA) لأنها لم تنضم أصلاً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولا يحق بالتالي للشركات الأميركية التقدم بطلبات الحصول على تراخيص التعدين. مع العلم أنه يمكن الالتفاف على هذا الشرط بالتقدم عبر شركات شقيقة تحمل جنسيات دول أخرى. ومن أبرز القضايا العالقة نذكر ما يلي:

حرب الأعماق على المعادن النادرة

  • الإشكالية العظمى الخاصة بتقاسم الأرباح في العقود المتعلقة بالمياه الدولية بين الشركات والدول الراعية لها، وبين بقية دول العالم. وتستند هذه الإشكالية إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) 1982. والتي توصف بأنها من أعظم إنجازات الأمم المتحدة. وتنص في أحد بنودها على وضع أكثر من 50 في المئة من مساحة قاع البحار تحت الولاية القضائية الدولية. بعيداً عن متناول أية دولة منفردة. وجاء ذلك استكمالاً لقرار تاريخي أتخذ في العام 1975 خلال اجتماع للمندوبين في فنزويلا. وقضى القرار باعتماد الاقتراح الشهير لمندوب مالطا السفير أرفيد باردو باعتبار ثروات قاع البحار “تراث مشترك للبشرية”. وتبعاً لذلك نص القرار على قيام شركات التعدين في قاع البحار بدفع جزء من أرباحها لصندوق خاص تابع للأمم المتحدة لمساعدة دول العالم الفقيرة.
  • لوضع ما يجري حالياً في سياقه التاريخي، نشير إلى أن هذا القرار معطوفاً على تراجع أسعار المعادن، أدى في العام 1977 إلى توقف ما عرف حينذاك، “بحمى معادن قاع البحار” حين اندفعت الشركات الكبرى لتنفيذ أوسع عملية لاستغلال تلك المعادن. ولتبقى السفينة العملاقة لاستخراج ثروات الأعماق «غلومر إكسبلورر» التي كان يمتلكها الملياردير هاورد هيوز وأحيلت إلى التقاعد المبكر شاهداً على تلك الحقبة.

الأدميرال شين تاني: «نحن نعرف عن تضاريس المريخ وتكويناتها، أكثر مما نعرفه عن تكوينات قاع المحيطات»

  • إشكالية عدم وجود نظام لتقاسم الأرباح بين الشركات والدول في العقود المتعلقة بالمياه الخاضعة للولاية القضائية الوطنية. وهو نظام يجب العمل على وضعه وتطويره بموافقة كافة الدول المعنية. ويفترض أن يأتي أكثر إنصافاً للدول المالكة للثروات من نظام التعدين الأرضي أو استخراج النفط والغاز، اللذين استغرقا عقودا طويلة لتطويرهما.

معضلة حقوق الدول الفقيرة

  • مسألة التعويضات في حالات الكوارث والأضرار اللاحقة بقاع البحر. وذكر تقرير لمعهد أبحاث الاستدامة الألماني إن غموض مسؤولية التعويض ومعايير تحديد الغرامات قد يؤدي إلى إفلاس شركات التعدين المتحمسة. ولذلك فهي تضغط للتأجيل.
  • حاجة صناعة التعدين البحري إلى إثبات قدرتها على منافسة شركات التعدين الأرضي. ما يشجع بالتالي المؤسسات المالية والمستثمرين والشركات المنتجة للسيارات الكهربائية والبطاريات وصناعة الطاقة المتجددة عموماً لاحتضانها. كما حدث مع شركات المناجم الأرضية التي حظيت بدعم كبير من هذه الجهات.
جرافة تحصد كرات المنغنيز
  • يضاف إلى ذلك حاجة الدول الغربية ـ باستثناء قلة منها ـ إلى مزيد من الوقت لتجهيز أساطيل التعدين وتركيب التحالفات بين الشركات لخوض غمار حرب الأعماق على المعادن النادرة . وهو أمر قطعت الصين شوطاً طويلاً فيه. ويبدو واضحاً ان الصين تستعجل التعدين التجاري بما يضمن استمرار سيطرتها على أسواق المعادن النادرة. ولخص أحد المعلقين الظرفاء الوضع بقوله: “كما فوجئت أميركا بأن الصين انتظرتها في نهاية “خطوط التصنيع وسلاسل الإمداد”. وفي نهاية خط “المعايير الفنية للثورة الصناعية الرابعة”. فقد تتفاجأ أيضاً بأنها تنتظرها في قاع المحيطات”.

تخوف أميركا من التداعيات الجيوساسية

  • ونصل إلى “مربط الفرس”، فبدء حرب الأعماق على المعادن النادرة واستغلال ثروات المحيطات، سيكون له تداعيات خطيرة على خريطة التحالفات الدولية، وعلى الجغرافية السياسية لمنطقة المحيطين الهادئ والأطلسي، وتحديداً بحر الصين الجنوبي. ولذلك فإن أميركا ستسعى جاهدة لترتيب أوضاع هذه المناطق والدول ومن بينها عدد كبير من الدول لا تزال تتمسك بموقف رمادي من الصراع القائم بين بينها وبين الصين.

كما فوجئت أميركا بأن الصين تنتظرها في نهاية «خطوط التصنيع وسلاسل الإمداد»، فقد تتفاجأ بأنها تنتظرها في قاع المحيطات

تقول الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA) إنها ستعتمد معايير مركبة لمقاربة هذه المسائل تشمل على سبيل عدد السكان في الدول المعنية، وحجم الاستثمارات والتكاليف، والأسعار السوقية للمعادن، ودراسة اتجاهات وحجم الطب، و الإيرادات المفقودة من التعدين الأرضي الخ…

المعدات المستخدمة للحفر والحصاد

يبدو واضحاً ان غالبية الدول تتهيب إطلاق مارد التعدين البحري من قمقمه. وقد عبّر عن ذلك بدقة أحد المسؤولين في تحالف الحفاظ على أعماق البحار، دونكان كوري، بقوله. “الجميع يرغب بتأجيل إطلاق التعدين التجاري لبضع سنوات باستثناء شركة (ذا ميتالز). التي أسهم إصرارها في خلق حالة من البلبلة والتوتر والقلق الدبلوماسي على مستوى العالم”.

ولذلك، فإن الشركة وجزيرة ناورو ومن ورائهما كندا ستكون أمام أحد احتمالين. الأول الاكتفاء بجائزة ترضية تتمثل بغض النظر عن استغلال العقد الاستكشافي الموقع معها لزيادة الكميات المستخرجة والتي بلغت العام الماضي 5 آلاف طن من المعادن النادرة. مع المخاطرة بأن تحذو الشركات الأخرى حذوها، وتبادر إلى استغلال العقود المماثلة الموقعة معها وعددها 19 عقداً. والاحتمال الثاني أن تواصل قرع طبول الحرب، بانتظار القرار من أصحاب القرار.

في الجزء الثاني:

  • العقود الموقعة وتوزيعها على الشركات والدول.
  • أنواع المعادن الموجودة وكمياتها المقدرة، وخريطة توزعها.
  • طرق والاستخراج حسب نوعية المعادن الموجودة.
  • المخاطر البيئية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى