تخطي إلى المحتوى الرئيسي
دبلوماسية

جولة أردوغان الخليجية... بين المصالح والنفوذ و"الخطوط الحمر" الغربية

أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الإمارات الأربعاء جولته الخليجية التي استمرت ثلاثة أيام بعد أن كان زار السعودية وقطر، مع توقيع عدة اتفاقيات لإنعاش اقتصاد بلاده المتعب بفعل التضخم وانهيار صرف العملة. لكن الزيارة حسب مراقبين، تلقي بظلالها على طموحات أنقرة لاستعادة نفوذها في المنطقة، فيما سلط آخرون الضوء على خطوط حمر غربية على العلاقة بين تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والجوار العربي.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا في 12 يوليو/تموز 2023.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا في 12 يوليو/تموز 2023. © رويترز.
إعلان

من الإمارات، اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء إنهاء جولة خليجية لثلاثة أيام شملت السعودية وقطر، وأثارت تساؤلات حول الطموحات الفعلية لأنقرة من وراءها إلى جانب الاقتصاد.

تمخض عن هذه الجولة، توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مع أبوظبي بقيمة 50.7 مليار دولار. كما استعرض الرئيسان الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان والتركي رجب طيب أردوغان القضايا الإقليمية والدولية وشددا على أهمية الحوار والدبلوماسية في حلحلة أزمات المنطقة.

وفي قطر، التقى أردوغان الأمير تميم بن حمد آل ثاني. وأكد الجانبان خلال محادثاتهما على الرغبة بتعميق التعاون الثنائي عبر تعزيز التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية.

بدورها، وقعت السعودية مع تركيا عقب مباحثات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي، اتفاقيات عدة للتعاون في مجالات استثمارية ودفاعية أبرزها شراء صفقة طائرات بدون طيار تركية. واستعرض بن سلمان وأردوغان العلاقات الثنائية واستعرضا المستجدات الإقليمية والدولية.

تسلّط الجولة الخليجية لأردوغان الضوء على مساعي تركيا والدول الخليجية لطي صفحة الخلافات، بعد سنوات من التوتر بسبب تناقضات حيال عدد من القضايا الخلافية أبرزها ليبيا حيث دعمت أبوظبي وأنقرة طرفي النزاع، وأيضا مسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وقضية دعم تركيا لأعضاء في جماعات إسلامية أهمها "الإخوان المسلمون"، ولكن خصوصا الأزمة الخليجية مع قطر وقضية خاشقجي.

فما مصلحة تركيا ودول الخليج من التقارب الآن؟ هل تسعى تركيا إلى استعادة نفوذها في المنطقة العربية؟ وما انعكاس التقارب التركي الخليجي على العلاقة مع الغرب؟ أسئلة يجيبنا عليها يوسف كاتب أوغلو محلل سياسي وخبير اقتصادي تركي، جواد غوك كاتب ومحلل سياسي تركي، ومحمود علوش كاتب وباحث في الشأن التركي.

  • ما مصلحة تركيا ودول الخليج من التقارب؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي التركي جواد غوك بأن الدفاع قطاع هام يمكن أن تفيد به تركيا دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب عضويتها في حلف شمال الأطلسي. ويضيف: "هناك قدرات تركية عسكرية يمكن أن تستفيد دول الخليج منها في مناطق مختلفة. فمثلا عندما تم تشكيل الجيش الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية (التحالف العربي الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول 2015 بهدف توحيد جهود الدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب)، كانت هناك استفادة من القوات التركية، التي تتواجد في أفغانستان، السودان، ليبيا، وفي سوريا وقطر. يمكن أيضا الاستفادة من تركيا لتشكيل قوة ضد إيران مثلا، هذا الاحتمال موجود ما دامت حكومة أردوغان موجودة على رأس الحكم في تركيا".

اقرأ أيضاالدوحة وأبوظبي تعيدان فتح سفارتيهما وتستأنفان العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما

يضيف غوك بأن عضوية تركيا في حلف الناتو، قد تحقق استفادة لدول الخليج العربية على اعتبار أيضا أنها بمثابة الجسر بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي. وهو يقول: "تعتبر تركيا البلد المسلم الوحيد العضو في حلف شمال الأطلسي. ومن ثمة، يمكن لدول الخليج أن تستفيد من مكانة تركيا في الحلف، والتي هي جسر بين الدول الغربية والإسلامية. كما أن موقعها الاستراتيجي مهم جدا. وبالنظر إلى الاهتمام الذي تخصصه حكومة أردوغان لقضايا عربية، فمن مصلحة دول الخليج الحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة. رأينا تدخل تركيا القوي إثر الأزمة القطرية وإرسالها قوات استقرت في قطر وهي قادرة على التدخل في كل المناطق العربية".

من جانبه، قال الكاتب والباحث في الشأن التركي محمود علوش: "هناك سعي تركي منذ عامين لإعادة إصلاح العلاقات مع القوى الفاعلة في المنطقة. الظروف الإقليمية الجديدة تبدو مناسبة لتعزيز هذا الاتجاه وسياسات التنافس السابقة لم تعد جذابة في الإقليم. أنقرة ترغب في أن تكون لاعبا أساسيا في النظام الجديد الذي يتشكل في الشرق الأوسط وتعزيز مصالحها الأمنية في المنطقة وتموضعها الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط".

أضاف علوش، بأن "تراجع الالتزام الأمريكي بأمن الخليج يفرض على دول الخليج تنويع الشراكات الخارجية كوسيلة تحوّط. فتركيا قوة فاعلة ومؤثرة في السياق الإقليمي والدولي وهي تقدم نفسها للخليج كشريك جديد يمكن الاعتماد عليه في المجالات الأمنية والجيوسياسية. لذلك، نشهد اهتماما خليجيا متزايدا بشراء الأسلحة التركية والاستثمارات في الصناعات الدفاعية التركية. دول الخليج مهتمة على نحو كبير في الاستثمار بالاقتصاد التركي. علاوة على كون هذا الاستثمار يتم في سوق ناشئة صاعدة، فإنه يشكل قوة خليجية ناعمة لتعزيز الشراكة مع تركيا ودفعها إلى مواءمة مصالحها الإقليمية مع مصالح الخليج". 

  • هل تسعى تركيا لاستعادة نفوذها في المنطقة العربية؟

يرى يوسف كاتب أوغلو محلل سياسي وخبير اقتصادي تركي بأن تركيا انتقلت بفضل زيارة أردوغان إلى الخليج من مرحلة التطبيع إلى مرحلة الشراكات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وقال أوغلو: "هي زيارة مهمة أسفرت عن التوقيع على شراكات وصفقات بالمليارات خصوصا في الطاقة والدفاع. يدل هذا على أن تركيا تستعيد قوتها في المنطقة من خلال البوابة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهذا سيؤدي لعودة العلاقة إلى وضعها الطبيعي وهو التكامل في العلاقات وليس التنافس. تركيا دولة قوية ولديها جيش قوي في الناتو ولديها صناعاتها الدفاعية. دول الخليج هي الأخرى قوية ومحورية وهي غنية بموارد النفط والطاقة، وبالتالي هناك دور تكاملي والكل رابح وأتوقع أن هذه الشراكة الاستراتيجية سيكون لها تأثير كبير على التوازنات الإقليمية في المنطقة، هذا سيجعل من تركيا قوة إقليمية كبرى متكاملة مع دول إقليمية كبرى أيضا مثل السعودية".

اقرأ أيضاأردوغان والسيسي يتفقان على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء

من جانبه، اعتبر جواد غوك بأن الحكومة التركية تحاول دائما استعادة نفوذها في المنطقة العربية. ويوضح: "هذا الأمر موجود، ليس كقوة احتلال لكن كنفوذ في العالم العربي والإسلامي، وهذا من أمنيات الرئيس أردوغان. حتى إن الحزب الحاكم في تركيا يتحرك كأنه حركة إخوان مسلمين على الطريقة الأوروبية، ولهذا السبب فإن العلاقات مع الدول العربية مهمة جدا بالنسبة لتوجهات حكومة أردوغان".

  • ما انعكاس التقارب التركي الخليجي على العلاقة مع الغرب؟

يرى يوسف كاتب أوغلو بأن "التقارب الخليجي التركي سيعطي لتركيا قوة أكبر وسيكون لها فاعلية أكبر في علاقاتها مع الدول الغربية والأوروبية، ما سيزيد من حدة التنافس في الملفات الساخنة الأخرى، وسيعطي نوعا من الاستقرار والندية في علاقات تركيا مع الغرب وأوروبا تحديدا، كون تركيا الآن تستعيد وتستكمل قوتها الاقتصادية في مجال الطاقة تحديدا بفضل دول غنية بها كدول مجلس التعاون الخليجي. سيكون لهذه الشراكة الاستراتيجية ما بعدها إذا تم الأخذ بعين الاعتبار مراعاة الأهمية وحساسية المصالح الإقليمية لدول الخليج والتوازنات الدولية في المنطقة، والتنسيق المشترك والاستفادة من قوة كل طرف لفائدة الطرف الآخر. كانت زيارة مهمة جدا وأعادت الأمور إلى نصابها سيكون لها انعكاسات إيجابية لفائدة الطرفين، والأكثر لصالح تركيا التي هي في حاجة لشريك اقتصادي قوي مثل دول مجلس التعاون الخليجي التي لا يستهان بقوتها الاقتصادية وصناديقها الاستثمارية وإنتاجها ودورها الأساسي في قطاع النفط والغاز والطاقة عموما. دول الخليج هي أيضا بحاجة إلى شريك وحليف قوي لديه إمكانيات كبيرة في الصناعات الدفاعية والقدرة العسكرية والبشرية وهذا ما تتميز به تركيا ".

اقرأ أيضاواشنطن ترفض مقايضة أنقرة بخصوص انضمام السويد للناتو وتوافق على التحاق أوكرانيا دون تحديد زمني

من جهته، قال جواد غوك إن "تقارب تركيا مع دول الخليج هو أيضا لصالح دول أوروبا، التي في كثير من القضايا تتحرك بالتعاون مع تركيا، مثل ما جرى في سوريا، والعراق، حيث كانوا يستشيرون الحكومة التركية للتحرك في كثير من المجالات. بالنتيجة، فإن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي وهي لا تستطيع بأي شكل من الأشكال أن تقف ضد إرادة دول هذا الحلف لأن قدراتها السياسية محدودة، لهذا السبب فإن دول الناتو ترحب دائما بالعلاقات التركية العربية شريطة أن تكون محدودة وألا تتجاوز تركيا حدودها على حد رأيهم. هذه قضية مهمة، ولعل أبرز الخطوط الحمر هي أولا: تراجع تركيا عن سياساتها السابقة الخاطئة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وثانيا: ألا تقف تركيا بوجه القضايا العربية بل أن تساندها وتدعمها دون تدخل مباشر. كما أن لدول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات حساسية كبيرة حيال مثل هذا التدخل. الحكومة التركية تعرف أن عليها القيام بخطوات في سياق علاقاتها مع الدول العربية، على هذا الأساس يتم الآن تحسين هذه العلاقات حيث إن الجانب الاقتصادي وما شابه لن يكفي لتحقيق هذا التقارب".

كذلك، يرى محمود علوش بأن "الشراكة التركية الخليجية الجديدة تبعث على الارتياح في العواصم الغربية لا سيما واشنطن. مثل هذه الشراكات تساعد الولايات المتحدة على مواصلة تخفيف ارتباطها بالمنطقة والاعتماد على حلفائها لإدارة شؤونهم وحماية مصالحها. كما أن التفاعل القوي بين دول المنطقة يقلص من اعتمادها على شركاء دوليين آخرين مثل روسيا والصين. وهذا مفيد للغرب".

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

مشاركة :
الصفحة غير متوفرة

المحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.